الاثنين، 11 أكتوبر 2010

التدين الظاهرى

التدين الظاهرى


لا شك فى ان مصر حاليا و المصريين يتمتعون بحياة و حالة دينية لعلها لم يكن لها سابقة منذ قرن من الزمان على الاقل ، فعدد المحجبات فى تزايد مستمر ، عدد المتدينين - على حسب قولهم - فى تزايد مستمر ، عدد الدعاة اصبح فى تزايد مستمر حتى ان البعض ليفخر بأنتماءه لهذا الشيخ او الداعية ، و اصبحت المظاهر الدينية اشهر عن ذى قبل ، اصبح الجميع يفخر حتى بأنه متدين ، على عكس السابق ، ظهرت اشكالا جديدة للتدين عصرية و تناسب المجتمع فى ثوبه الجديد غير الصورة القديمة التى يدعى فيها كل متدين بأنه شيخ و انه يرتدى جلبابا و فى يده سبحة .


لكن و بكل اسف تجد ان المعظم لم يدخل الدين حقا قلوبهم ، لم يستقى حلاوة الدين فى شىء ، بل ان البعض الاخر ممن دخل الدين فى قلوبهم قد استقوا منه ظواهره و قشوره ، اهتموا فقط عن كيف يكونوا اعلم الناس فى امور لا اعتقد انها تهم الكثيرين منا ، اصبحوا متبنيين لأفكار لا دخل لصلب و جوهو و اساس الدين منها فى شىء ، كلها تمثل فقط محاولات و اراء علق عليها بعض الاشخاص فيما بعد برأيهم عما ظنوا وقتها انه يناسب زمانهم ، قد يكون الاصوب لبنى جيلهم .


بين كل هذا و تجد البعض للاسف مهتم بالظواهر ، المهم هو المظهر ، المهم هو المشهد العام ، المهم ان يقال عنك انك متدين ، كأن تلك الشهادة ستشهد له عند الخالق عز و جل بأنه متدين و يستحق دخول الجنة ان لم يكن ايضا وسط الابرار و الصالحين و الانبياء ، المهم ان تعارض اى رأى مهما بدى تقليديا ، مهما بدى معقولا ، تحت ساتر من الاراء القديمة فى بعض – و ليس كل – كتب الفكر الاسلامية ، او رأى لاحد الشيوخ الذى كما ذكرت يفخر و بشدة البعض انه يستمع له وحده و ان رأيه دائما على صواب ، ان غيره دائما على خطأ .


تجد البعض يدعون تدينهم فقط لانهم يشترون كتبا تقليدية من التى تباع على ارصفة الطرق بقليل من الجنيهات ، بها بعض المواعظ و العبر عن حياة القبور، او علامات الساعة !!


و كأن مثل تلك الكتب سيبنى عليها عمل ما ، و كأن لذلك دخلا فى عمل الانسان فى الدنيا ، لا يكاد البعض يتصور ان ذلك ما هو الا نتيجة فقط لما يفعل فى الدنيا ، هل جرب بعض هؤلاء ان يشتروا كتبا تتحدث عن العقيدة ، او مثلا تتحدث عن الفقة ، او مثلا عن الاخلاق و فضائل الاعمال ، او حتى على الاقل كتبا فى تاريخ الدين ، سيرة النبى و الصحابة لعلهم يتعلمون منها شىء ؟


ابدا ، فكل عمل يمكنهم الحصول عليه من فتوى من احد هؤلاء الشيوخ الذين يثقون فى رأيهم ، كل خلق هو سلوك مكتسب من تعصبهم للدين و استماتتهم فى الدفاع عن رأيهم الذى لا حق غيره ، يتم تفسير و تعريف ذلك لديهم بأنه غيرة و دفاع عن الدين . و كأن الدين سينهض و سيتم تحرير اراضى المسلمين عن طريق مثل تلك الرؤى و الافكار التى لا شك فيه هى اصلا مشكوك فيها ، لان اى رأى ليس من الكتاب او السنة ، هو رأى شخصى من حق اى فرد ان يختلف معه ان وجد الحجة المقنعة ، بل ان بعض الاشياء التى كانت تصلح و تستعمل فى وقت النبى الكريم ، تم تغييرها و تطويرها فى عهد الصحابة بأصل فى الدين ، و ما كان يتم فى عهد المؤمن الاقوى الاشجع ابى بكر الصديق ، احيانا يتغير فى عهد الرائع عمر بن الخطاب ، على الرغم من كونهم اغلى الاصدقاء ، رفيقا الرفقاء ، اكثر من تعلم من النبى الكريم . اليس هذا اكبر دليل على حق الاختلاف طالما لا اصل له فى الكتاب و لم يشدد عليه النبى فى الحديث ، طالما تتوافر الحجة و المصلحة للمسلمين المقنعة ؟


ابدا ، بعضنا انشغل بظواهر الدين ، تغيير نغمة الموبايل الى نغمة دينية او دعاء او اية كريمة او نشيد دينى او انشاد دينى . كنت اجلس مرة فى المسجد وكان الشيخ يلقى خطبة جيدة بها حكمة و موعظة كعادة خطب الجمعة المعتادة ، يجلس بجوارى رجل تصورته فى البداية متدينا ، حتى حدث ما جعلنى اغير رأيى عنه ، فبينما الرجل يسمع و يتعجب و يتسامى مع الخطبة و يعيش حالة من الاتقاد الروحى و العقلى مع الخطبة ، يصدق على كل جملة للامام ، اذ فجأة بنغمة " انك لا تهدى من احببت و الله يهدى من يشاء " تخرج من جانبى و لا اعلم مصدرها ، ثم اذ بالرجل يخرج الموبايل و يغلق عليها ، رغم انى انزعج من الاشخاص الذين لا يغلقون هواتفهم وقت الصلاة او داخل المسجد ، انه لم يغلقه امامى بعد تلك المرة ، الا ان رصيد الدقائق الماضية شفع للرجل عندى ، ثم اذ بمرة اخرى الهاتف يعلن نفس النغمة الدينية ، لكن هذه المرة قام الرجل بفتح الاتصال و اخذ يتحدث و يعزم على شخص بقلب حديد ، انه سيلقاه بعد الصلاة !!


هذا الرجل الذى يبدو لك لوهلة انه متدين حقا ، فقد جاء مبكرا للمسجد ، يسمع حقا و ينصت للامام ، يتفاعل معه و بشدة ، يجعل من نغمة هاتفه نغمة دينية ، الا ان كل هذا تدين ظاهرى لارضاء الناس و كسب ثقتهم ، فالخطبة عنده اقل اهمية و اهتمام من حديث صديق اتصل به بالامس و اتفقا ان يلاقيه بعد الصلاة ، كنت اتمنى وقتها لو كنت اعلم رقم الرجل ، اجرب لاحقا فى اى موعد للصلاة ان اتصل به لارى هل سيجيب الهاتف داخل الصلاة ام لا .


ثم تجد مظهر اخر للتدين الظاهرى ، ففى رمضان و مع قدوم هذا الشهر الكريم و كثرة الثواب و المنح الالاهية فيه ، تجد احوال الناس تتغير تماما ، فالكل منكب على المصاحف و الايات القرأنية ، تنشط البرامج الدينية على القنوات الفضائية ، كله وسيلة لجمع اكبر قدر ممكن من الثواب و الخيرات فى رمضان ، لا ضير فى ذلك ، غير ان تجد ممنوعات كثيرة انضافت على الشهر الكريم و الصيام ، مثل يمنع فتح البريد الاليكترونى فى رمضان عند بعض منا لمنع تكرار بعض المحادثات الغير هادفة عليه بين شباب و بنات ، بعض الشباب لا يفضل النزول لبعض الاماكن التى تعود على ان ينزل لها قبل الشهر الكريم ، ليس بداعى انشغاله بقراءة القرأن ، لكن لما كان يحدث فى تلك الاماكن مما يتعذر و الصيام فى الشهر الكريم ، البعض يمتنع عن بعض الاشياء التى كان يسىء استخدامها و بعض الحريات التى افسدها فى غير الشهر الكريم .


طالما هو يعلم جيدا و بشدة عدم جدوى تلك الاشياء ، انها لا تصح و لا يمكن ان يتم افتعالها بدم بارد ، لم لا يمتنع طوال العام ؟ هل رمضان هو شهر المحرمات مثلا ، بحيث تكون هذه الاشياء حلالا طيبا فى باقى السنة ، حراما قبيحا فى رمضان ؟ طبعا لا ، فالكل يعلم ان رمضان منبع للخير و الحسنات دونا عن السنة كلها ، هل تلونه و نفاقه طوال العام و دفاعه عما يفعل بأنه لا ضرر منه و بعض المعاذير الاخرى التى تطيل و لا ترجح رأيه ، كل ذلك يذوب فى رمضان و لا ينطبق عليه ؟ من تنافقون يا متدينون ؟


هذا الى جانب مظهر اخر من مظاهر التدين ايضا قد يحدث فى رمضان او بعد رمضان او فى اى وقت من السنة ، هو العمرة او الاعتمار .. فلا شك اطلاقا ان العمرة هى بديل عن الحج فى ظل الظروف الحالية ، حيث ان البعض لا يقدر على ان يزاول فريضة الحج ، حتى ان اراد فعليه الانتظار طويلا ، لان الاماكن محدودة بسبب كثرة الوفود ، هذا الى جانب ارتفاع اسعار الحج بلاشك ، و بالتالى يلجأ الناس للحج و بخاصة خلال العشر الاواخر من رمضان ، لكم يحب المصريون و يقدسون تلك العمرة و بشدة حيث ان الحجاج من مصر هم فقط سبعون الف حاج بينما المعتمرون فى رمضان هم نصف المليون معظمهم يتكررون كل عام ، و لكن هذا ليس ما يهمنا فى الامر ، المهم هو ان هل جميع من يخرج للعمرة يكون الغرض الاساسى هو الاعتمار حقا ؟ انا عندى شكوك كثيرة فى حقيقة ذلك .. اعتقد ان البعض – لا الكل – يزاول العمرة فقط من اجل ان يلقب بلقب " حاج " ، لا مانع من طلاء واجهة المنزل و اضافة بعض العبارات امثال " حج مبرور " ، لا مانع من ان يتباهى بل و يشير احيانا للناس بقصر الشعر بحجة انه عائد من عمرة ، امثال هؤلاء لا يخلو منهم من يتقاضى الرشوة تحت مسمى " الحلاوة يا بيه " ، و ان لم يفعلها مع العملاء فيفعلها مع زملائه و رؤساءه بالعمل عبر النفاق و التغاضى عن المخالفات الفجة . محامون يدافعون عن مفسدين و تجار مخدرات ، راقصات و ممثلات الادوار القبيحة ، كل هؤلاء و اكثر يعودون بقناع التدين ، يعودون بلقب الحاج ، يعودون بالشعر القصير ، يعودون بالسبحة و العباءة ، كل هذا من اجل دفن فسادهم ، من اجل العمل بأسم الدين و استرضاء كل من يثق بلقب حاج .


فى يوم ذهبت للصلاة ايضا ، فوجئت كما فوجىء الجميع بعد دقيقة من صوت الامام ان الصوت اختفى فقلنا لعل الامام فى استراحة حيث لم يبدأ ، لكن ما حدث هو انقطاع الكهرباء مما افقد الميكروفون عمله ، غاب الصوت الذى كان يخرج منه فاقتصرت الخطبة على الصفوف الامامية التى تتمكن من سماع الامام ، اما عن باقى الصفوف ، فالكل ينظر لوجوه الاشخاص التى حوله و كأنه يبحث عن اللحمة فى طبق الطبيخ ، شعور بالملل اجتاح الجميع لغياب الصوت ، اختلط بشعور بالحزن و الاسى لفقد الخطبة و ما كان سيتحث عنه الامام ، و بالتالى البعض انشغل بالتسبيح و الاستغفار ، الباقى بمطالعة وجوه الناس . المهم ان الصوت لم يعد مع اقامة الصلاة بعد ان اطال الامام الخطبة قدر الامكان حتى تعود الكهرباء و يعمل الميكروفون فنتمكن من الصلاة فى جماعة .


هذا لا يشغلنى حقا ، لكن ما يشغلنى هو سبب انقطاع الكهرباء و بالتحديد فى هذا الوقت ، انقطاع الكهرباء فى مصر لا يتم الا لسببين : تخفيف الحمل ، انقطاع لعطل . فان كان السبب هو الاول فلم بهذا الوقت بالذات ، الا يوجد تعظيم و تقديس لصلاة الجمعة على الاقل ؟ و لكن ان كان السبب الثانى – و هو ما اعتقده – فالحاصل ان العطل تم مع بداية الصلاة حيث كان المسؤول عن الصيانة موجودا فى المسجد ، اى مسجد ، فحتى و ان عرف بالمشكلة ، ستجده يقول : لا ، الصلاة اولا ثم العمل !! المشكلة هى حرص ظاهرى - قد يكون مؤمن به حقا - على الصلاة و الاستماع الى الخطبة ، فهى اهم من العمل من وجهة نظره ، ثم يمكن قضاء العمل فى وقت اخر بعد انقضاء الصلاة . عندنا التصور الحاصل بأن الله لن يبارك فى العمل مادامت الصلاة قائمة .


نحن هنا نتحدث عن عمل يدير مصالح الالاف من الناس ، ليس فرد او اثنين حتى يكون شريطة الحديث و يصبح التطبيق صحيحا ، نحن لا نتكلم عن تجارة ، او صناعة شىء يمكن تأجيله لحين انقضاء الصلاة . نحن نتحدث عن ادارة قطاع واسع من شأنه ان يعطل مصالح الالاف ، من بينها المساجد التى يقدسها و المصليين الذين يريدون الاستمع للخطبة شأنهم شأنه . فهل استماعه لتلك الخطبة بالذات هو ما سيساهم مثلا فى دفع الامة نحو المستقبل ؟ هل هى من ستحرر العراق او فلسطين ؟ ابدا مجرد خطبة قد ينسى محتواها بمجرد الخروج من المسجد ، ثم هل من الافضل ان يقبل الله ثواب خطبته على حساب ضياع ثواب الالاف الاخرين ام من الافضل ان يقبل ثواب الالاف و ليس مهما ثواب فرد مفرد ؟ الن يكون ثواب هؤلاء فى ميزان حسناته ايضا لانه كان السبب فى موعظتهم ؟


مجرد تدين ظاهرى ، تعصب دينى فقط ، الغرض منه شراء رضاء الله و تقبله للثواب ، الغرض منه نفاق الناس كتبة الملائكة ، اسئل اى منهم عما حققه حتى الان للامة من نهضة ، اسئل اى منهم عما ساهم فيه من اجل اعلاء كلمة الاسلام فى الغرب ، اسئل اى منهم عما قدمه لمساعدة اخوانه الذين يخسرون دينهم و دنياهم كل يوم فى الاراضى المجاورة ، اسئل اى منهم عن عدد من خسرهم و خسر احترامهم ، كم كسب منهم ، اسئل اى منهم متى كان مثالا حسنا للاسلام و المسلمين . لا يصيبك التفاجؤ و الاندهاش ان علمت ان معظمهم اصلا و ان كان يخاطبك بأسم الدين ، الا انه جاهل بالدين و بجوهره و احكامه ، سببا فى تعصب الناس ضد المتدينين .

دعنى اعود لاكرر ، هذا ليس نقد او هجوم على المتدينين ، ليس المقصود منه كل المتدينين ، لكن المقصود منه هو بعض او قلة - حسب رأيك - منهم ، ممن يأخذون الدين عباءة تخفى جوهرهم الحقيقى ، يدخلون وسط المتدينين الحقيقيين ليسيأوا لهم و لعملهم الصالح ، يكونون مظهر خارجى فقط دون عمل ، مما يؤثر على صورة الدين التى نفخر بها دائما و بتاريخنا الاسلامى العامر بالشرف و الفخر .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق