الخميس، 7 أكتوبر 2010

فى ذكرى اكتوبر

فى ذكرى اكتوبر



نحتفل كل عام و نحتفى بذكرى غالية و عزيزة على قلب كل مصرى هى حرب اكتوبر المجيدة ، تزرع الثقة و الافتخار فى كل نفس مصرية ، مجرد رؤية المشاهد التى توجد مع كل لقطة و كل حركة يكاد يقشعر بدنك من روعة المنظر ، الحركات المنظمة القوية المفاجأة التى اصابت العدو بصمت الموقف ، رعشة البدن ، شلل الحراك ، دفعته للانحناء و قبول الهزيمة على عكس الاداعائات التى اثارها و لا يزال يثيرها حتى الان ، حسب ما يروى فان كل ما يروى و نراه على التلفزيون لا يتعدى نصف الحقيقة ، يكاد لا يصل لها حقا ، لكن بالرغم من ذلك نحن نحب و نقدر كل عمل يقدم على التلفزيون فى محاولة لتجسيد المشهد مرة اخرى ، فى محاولة لاعادة رسم الصورة امام الجيل الجديد – ابناء جيلى – ممن لم يعاصرون التجربة و لم يتمتعوا بها حق التمتع .

و للحق فان التجربة تكاد تجذب الجميع حولها ، يكاد الا يختلف عليها احد ، بانها كانت تجربة رائعة عظيمة اثبتت و حتى الان ان الجيش المصرى قادر على قهر اى شىء و انه مستعد لاى شىء ، يكفى ان تسأل اى من الجنود الابرار الذين يعرفون قيمة هذا الوطن و يبرونه ، ان كان وطنهم لا يبرهم حق البر ، يكفى ان تسألهم عن حقيقة ذلك فيخبرك انه كان مستعد لان يفعل اى شىء فى سبيل الوطن ، حتى التضحية بأغلى ما يملك ، حتى حياته ، لكنك مع ذلك تجد عيناه تكاد تلمع و تتقد بعدها و يقول لك ان ذلك لا يمثل اى شىء الى جانب ما فعله رفاقه فى الكفاح الطويل و الدرب الاصعب فى حياتهم جميعا ، بغض النظر عما حدث بعد الحرب و ما االت اليه ، فان ما حدث يكفى ليثبت لنا عزتنا و كبريائنا ، ما نحن قادرين على فعله وقت اللزوم .


و لكن اغلب جيلى قد و اشك انه يعلم الكثير عن تلك الحرب ، فذكرياتنا كلها عن الحرب عبارة عن اجتهادات و محاولات و تجارب لم تكلل بالنجاح بنسبة كبيرة حاول السينمائيون ان يقدموها فى افلامهم ، لكن يكفى انهم حاولوا و فتحوا لنا الباب لكى نطلع بعد ذلك من حيث نريد ان نقرأ عن تلك الحرب المدهشة و ما حدث بها ، ما الظروف التى كانت تجرى وقتها حول الحرب و ما قبلها و بعدها ، لكن هناك مشاهد كثيرة و قصص و روايات اكثر خرجت مشوهة على الشاشة كانت كفيلة بتحويل الفيلم الوطنى القومى الحربى الى فيلم كوميدى هزلى طفولى ، فمن ضحك ممن لديه عيون ثاقبة و قوة ملاحظة ، اعتقد كان اكثر ممن نظر لجوهر الموضوع و عظمته و فائدته ، فالمشاهد و القصص جائت غريبة و تكاد لا تصدقها فى معظم الوقت ، و على سبيل المثال :



- مشاهد الرصاصة لا تزال فى جيبى ، رغم انها اول تصوير على الجبهة و عن الحرب بعد الحرب مباشرة ، كانت معظم لقطاتها مادة سينمائية بعد ذلك فى الافلام التى تعد عن الحرب ، الا ان الفيلم لم يخلو من بعض المشاهد التى تدعو للاندهاش ، مثل الفنان محمود يس الرائد الذى يزاول الحرب كلها بساعة الكاسيو- او شبيهة بها- التى كانت على الموضة ايامها ، يجب ان تلمع الساعة فى كل مشهد و هى معلقة على اكمام القميص المكوى جيدا و حتى اخر الحرب ، حتى يعود لبلده و يقابل حبيبته . بل ان الممثل الرائع الاخر حسين فهمى ظل على اناقته طوال الفيلم – و لعل وسامته هى التى ساعدته على ذلك - ، لكن ان يظل شعره مكوى و متسرح جدا و جيدا طوال الفيلم ، لاحظ حجم الفرقة التى كان يشغلها و طول شعره الذى لا يتناسب اطلاقا مع الجيش و الرتبة . هذا غير المشهد الذى يتكرر دائما طوال الفيلم ، صورة الجندى المصرى الذى يهجم على الدبابة كأنها سيارة نصف نقل و يطرق الابواب من اعلى على الجندى الاسرائيلى الذى يفتح له غطاء الحلة ، الذى هو باب الدبابة ، يقاجأه الجندى بالقاء شىء ما داخل الدبابة تبدو و كأنها زمزامية الماء ، ليحدث الانفجار بمنتهى السهولة .... هذا فى نفس الوقت الذى كان فيه الجنود يفخرون فى الحقيقة بأنهم شاركوا فى تفجير دبابة ، منهم من مات تحت الدبابة فى محاولة لتفجيرها .


- مشاهد و حنكة السناريو فى فيلم اعدام ميت ايضا قد تختلف و لكن لا تقل اهتماما عن الباقى ايضا ، حيث ترى الضابط المصرى المحترم و المتدين فى بداية الفيلم ، هو عز الدين ، يغرق فى الملذات و النعم بعد ذلك فى الفيلم ، فهو و رغم تدينة مسموح له بتقبيل نصف الفتيات التى يراهن طوال مهمته ، مسموح له ايضا بما هو اكثر من ذلك ، مع ان الحقيقة تحمل فى طياتها ان اول و اهم ما يتم التنبيه عليه فى اى عملية مماثلة هو عدم الاختلاط ، عدم الدخول فى علاقات من شأنها ان تكشف الهوية و الانطباع و الاسرار ، قد يتسبب اقل حركة فيها الى اثارة الشكوك . ان مثل هذا الفيلم جعلنا كلنا نتمنى ان نصبح ضباط مخابرات ، ليس لخدمة البلاد ، لكن لنتمتع بما تمتع به الضابط عز الدين اثناء المهمة .


- فيلم الطريق الى ايلات هو الاخر ، بغض النظر انه يختلف عما حدث فى الواقع ، و انه يكاد يغاير السيناريو و الخطة الموضوعة ، الا ان التعامل فى بعد المشاهد قد يبدو ايضا مختلفا ، يبدو مغاير لمعايير العقل ، ففى المشهد الذى يتناول فيه الممثل الرائع جدا فى هذا الفيلم نبيل الحلفاوى ، ما نعرفه نحن بصباع الطباشير الذى هو المادة المتفجرة فى الفيلم ، و يتعامل معه بمنتهى الحذر خوفا من ان ينفجر وقت توسيعه ، الا انه يتعامل معه بمنتهى الاستخفاف و الاهمال عند تركيبه ، بوضع الموقد ثم القاءه بعدم اهتمام فيما يشبه غطاء الحلة ، لا يخشى ان ينفجر . ايضا التعامل احيانا مع التقدم و الانسحاب بمنتهى الاستخفاف و امام مرأى العدو و امام اعينه شىء يحتاج قليلا من الحنكة .


- ثم جاء الجيل الجديد ليزيد الطين غرسا و اغراقا ، حيث قدم فيلم عيال فى صورة فيلم حربى هو يوم الكرامة ، الذى استعان ببعض الممثلين اللامعى شعر الرأس ، الذى تضفى بعض الوسامة عليهم منظر راقصين ايطاليين فى احد الكازينوهات ، ليس منظر جنود بحرية ، الالتزام و الصلابة و الجلد هو عرفهم الاصيل . ان الممثلين الذين تناوبوا الاداء فى هذا الفيلم كمن لا يزال لم يصحو من نومه بعد ، لم يكن هدف اى منهم تقديم فيلم يمجد تاريخنا العسكرى ، لكن كان الهدف هو اعطاء رسالة انهم يقدمون مثل تلك الافلام و انهم همهم الوطنية و الانتماء على عكس ما نقرأ فى الجرائد عن فنهم الهزيل ، تشويه صورة مصر .




القائمة تطول ، لكن ما استطيع ان اقوله هنا ان كل من شارك فى صنع فيلم عن تلك الظروف وما حولها لهو فعلا يستحق الشكر على الاقل ، لانه قدم لنا صورة فى الوقت الذى غابت فيه الصورة ، لانه حاول ان يقدم معنى جديد يكاد يقترب و ان كان لا يستطيع بأى حال من الاحوال لصعوبة اختزال كل تلك الاحداث المشرفة فى ساعة او ساعتين ، لانه حاول ان يصور و يقدم ، لكن نحن نلزم عليهم ان المحاولة لم تكن بقصارى الجهد ، لم تكن بافضل الوسائل ، لم تكن ممولة بأموال تتناسب مع العمل ، يبدو انهم تعاملوا مع مثلية تلك الافلام انها افلام اليوم الواحد ، ستعرض ليوم واحد فى السنة ، فلا داعى للقلق .


للاسف جيلنا استقى معلوماته من تلك الافلام ، يتذكر مشهد القبض على القائد الاسرائيلى محى اسماعيل ، ضابط المخابرات الاسرائيلى الطخين ابو جودة ، مشاهد البارات ، العشش ، توسيع اصبع الطباشير ثم الاشارة بثلاثة اصابع اليد لتعطى علامة انتهاء و كمال المهمة ، صورة مادلين طبر و هى تغرى الجنود الاسرائليين ، ان الذى اعطى الاوامر لاطلاق الضربة هو حسين فهمى . طبعا هذا ليس ذنبهم وحدهم ، لكن يتحملون المسؤلية لعدم السؤال ، لعدم البحث ، لعدم الانصات للاحاديث الحوارية التى تتحدث عن المشهد العظيم .


اعود اخيرا بكلمة شكر لكل من ساهم او شارك او اجتهد فى هذا المشهد العريق الذى سيتوقف عنده التاريخ طويلا ، ليطلع العالم على قصة كفاح عظيمة قادها شعب عظيم ، على ارض مصرية ، بجهد و عرق و دماء مصرية فى محاولة لتغيير التاريخ و عدم تقبل الامر بسهولة ، استرداد الحق ، تكريم المصرى فى مشهد قلما نشاهده الان فى التاريخ المعاصر .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق