الحب و البهائمية
يمييل البعض لتصنيف الحب على انه الانجذاب لطرف اخر ، تقبله ، تقبل كل ما فيه من مزايا و عيوب ، فضائل و رذائل ، سمات و ضرائر ، قد نجد الغرب يعرف الحب على انه شهوة ، نجد للاسف بعضنا يتقبل التعريف و يقبله و يسلم به و يؤمن به ، يسير مرددا له فى كل فيلم ، او برنامج تليفزيونى ، او فى دار للملذات و الانحرافات مثل الملاهى الليلية ، بل و قد تجد البعض متبنى الفكرة و جعل منها جزء من شخصيته فيرددها فى كل مكان .
قديما قال فرويد ان الحب هدفه الاول هو الجنس ، ان الاثنين هما نفس الشىء ، نفس الينبوع ... و نحن لا نرى ذلك اطلاقا ، فكيف نتصور المرأة على انها هذا المثال ؟ّ! و كيف ننظر لانفسنا على تلك الطبيعة البهائمية ؟ ، و كيف ننظر للحب من ذلك المنظور على انه اشباع للشهوات ؟! و لكن للاسف فان هناك من يتبنى الفكرة و يؤمن بها ، بكل اسف على صعيد الجنسين ، حتى المرأة حطت من نفسها و قدرها و تبنت الفكرة تحت طابع التحرر و الحرية .
و نحن لا نطلب من هؤلاء الا تعريفا و تفسيرا للمرأة الفاضلة .... نريد منهم ان يخبرونا عن صفاتها ، كيف تكون ، كيف تنشأ لتكون كذلك ، كيف ينظرون لها مع نظرتنا لها .
المرأة الفاضلة المعروفة للجميع هى من تزيد عن غيرها بالحب و الاحتكام للعقل و الاخلاق و الفضيلة ، لا المرأة التى تهوى لسحيق بيع الجسد ، الانزلاق للعبودية ، اشباع الشهوة على حساب كرامتها و كرامة شرفها ، هى التى تربط الحب بالعطاء و المسامحة ، لا بالاخذ و انتظار المقابل ، هى التى ترضى عقلها و ضميرها ، لا التى تسعى لارضاء و اشعال نيران رغبتها و شهوتها و شهوة الاخرين .
و انا لا الوم هؤلاء بقدر ما الوم من هو مسؤول عن تربيتهم ، تعليمهم ، زرع الفضيلة فيهم منذ الصغر ، اعطائهم جرعة المعرفة عن اصناف و اشكال الحياة و مدى صحة و خطأ كل منها ، فالاب غالبا مسرور بما تفعله ابنته ، لديه هذا التعريف المخلوط و المغلوط عن التحرر ، فقد خلط فى فكره - غير متعمد او متعمد لاخفاء غياب سطوته على المنزل – بين التحرر ، التحلل و الانحلال ، الام غالبا مشغولة اما بمشاكلها او مشاكل لا تعنيها فى الاساس ، غالبا لن تجدها مشكلة فلسطين ، او غياب الوعى فى مجتمعنا ، او نقص فرص العمل ، او مشاكل اقتصادنا الناهض ، بل كلها مشكلات اقل بكثير من ان تعى عينها افراد اسرتها بالفحص و اعطاء النصيحة و نقل الخبرة و المتابعة .
و لدينا ايضا مؤسسة كبرى كالاعلام ، ما يشكله فى وعى الناس ، فهم يقدمون الحب على انه غريزة فقط ، انه مجموعة من الرقصات و التمايلات لفتيات الفيديوكليب و مجموعة من الموسيقى الشاذة التى تشبه مع تلك التمايلات ، تمايلات الوثنيين القدماء امام الهتهم ، فعبادة الجسد تفوقت على تعاليم الدين ، الزيف الذى يقدمونه اصبح يقدمه الاعلام على انه فلسفة ، حتى البرامج التى من المفترض ان تكون هادفة تجدها لا تخلو من مذيعة متكشفة تتخذ من التشويح فى وجه الضيوف منهج اعلامى ، و اعلانات تمتلىء بكل تسول بواسطة الاغراء و الشهوة و الجسد ، فما علاقة اعلان شيكولاته بفتتاتين تلبسان جونلة قصيرة فوق الركبة ، او اعلان بطاطس بملابس مكشوفة الصدر ، او اعلانات معطر بفوطة تكتفى بستر القليل و تظهر الكثير . لقد شوهوا الحب فى نظر الجميع ، فقدموه على انه طلب للشهوة ، عبادة للجسد .
لقد نسى هؤلاء ان الحب يدوم لسنوات ، بينما الشهوة تنسى بعد انقضائها ، نسوا ان الحب لا ملل منه و لا ضيق ، بينما الشهوة هى قائمة اساسا على الطمع ، و الطمع هدفه هو السعى نحو عدم الاشباع و التجديد و تغيير الحالى بما هو غيره ، فيسهل على العلاقة القائمة على الشهوة البحث عن جديد بل و يطلبها ، بينما يصعب على الحبيب ترك محبوبته و العكس ، بل يزداد الشوق مع انقضاء الايام ، مرور الساعات ، انقضاء الدقائق و اللحظات .
نسوا ان الحب بلا غرض ، بينما الشهوة هى الغرض ذاته ، ان ما يسبقها هو الدافع و الوسيلة ، نسوا ان الحب متجدد فى ذاته فلا يحتاج الى تجديد اللذة بمؤثر جديد ، بينما الشهوة منبعها الغريزة ، الغريزة تقوم اساسا على طلب الجديد و التجديد نتيجة الملل من تكرار الشىء ، فان اجبرت شخصا على تناول طعام يحبه جدا لسنوات ، لا طعام اخر غيره ، سيشعر بالملل و يرغب التجديد .
ثم انهم يطالعونا برأيهم ان الشهوة ، الغريزة و اتباعها تحرر ... و كيف يكون ذلك و الانسان اسير شهوته ، يفكر باعضائه لا عقله ، يهين عقله من اجل مزاجه ، يعيش مسجونا فى شهوته ، طبيعة اشباعها ، لذلك نجد شهوانيين يدفعون للشهوة ، اخرين يبيعونها ، و كلهم اسير تلك المتاجرة الرخيصة ، الاستعباد المقنع .
ان تطويع النفس و الاجتهاد عليها ، اصعب كثيرا من الامور البدنية و التى تحتاج لمجهود عضلى خارق ، لان النفس قد تطلب كل شىء ، بل و تستطيع ان تعطى كل المعاذير و الاستثناءات التى تجعل من الشر مقبولا ، تجعل من الرجعية تقدما ، تجعل من البهائمية تحررا ، تجعل من الانفلات حقا بموجب قانون اخترعه الضعيف لنفسه ليخفى من ضعفه . و لكن الشخص القوى المسئول هو من يستطيع ان ان يملك نفسه ، من يستطيع ان يطوعها و يملك لجامها ، من يستطيع ان يكتشف الحقيقة وراء الاشياء ، من يستطيع ان يهمل الهالة الكبيرة حولها و ينظر لما هو فى منتصفها ، هو من يستطيع ان يحترم حرية الاخرين و لا يؤذيهم من اجل شهوته ، هو من يستطيع ان يغلب افكاره الشيطانية قبل ان تهوى به للسحيق .
تجدهم ينسبون التقلد بالبهائم انه انسانية و حرية و تمدين ، و هل كانت القبائل القديمة متخلفة الا لانها لم تستطيع تنظيم حياتها و لم تستطيع تفضيل المصلحة على الشهوة و الغريزة و النفسية ، و هل حب الوطن و الاخلاق و الفضائل ويحتاج لشهوة ؟ و هل حب العمل و المثابرة و الكفاح يحتاج لشهوة ؟
ان القواعد و التعاليم و الاخلاق هى فعلا كالاسوار و العوائق و العراقيل كما يدعون ، نحن لا ننكر ذلك ، لكن تبنى الاسوار و وسائل التدعيم بغرض الحماية و الوقاية و التكتم حتى قضاء الحاجة احيانا ، ليست دائما لمنع و تقييد الاتصال بين الداخل و الخارج كما يظنون ، فالاخلاق و الفضيلة الغرض الاساسى منها هو وقاية الجنسين من اخطار كثير ، حمايتهما حتى الوصول لفراش الزوجية ، ليست قيد او سجن يحتاج التحرر منه .
ان هؤلاء يعيشون عصر التخلف ذاته ، ليس تخلف المدنية و الحضارة ، بل تخلف التفكير ، فساد العقل ، ركنه جانبا حتى يعمل سيده الجسد و ينال ما يشتهيه ، يحظى بما هو محرم ، ليستمتع به اكثر رغم حرمانيته ، يمنى النفس بالزيادة و الوصول لاعلى من ذلك فقد يزاول ما هو اشد و اقسى على طبيعته الانسانية و ما هو ادنى من الحيوانية ، التمتع بالشذوذ و العنف و الاباحية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق