تغيير الاسماء لا يغير الواقع
من اجل و اعلى و اعظم النعم التى انهم بها الله على الانسان هى العقل ، فالعقل هو مصدر التفكير ، التفكير هو منبع الحكمة و وسيلتها ، الحكمة هى مقصد و مراد كل عاقل ، قد تناقل الانسان طرق التفكير المختلفة ، صحيحها و خاطئها فى صورة نظريات عبر العصور ، تمكن من جمع كل الوسائل و الاستنتاجات فى صورة العلم ، العلم لا يعرف لغة او لسان معين ، فالحكمة ضالة المؤمن يبحث عنها اينما كانت فى اى صورة و لسان كانت ، كذلك معظم مفاهيم العلوم المختلفة التى تنير كل عقل يقصدها و لا تتغير من لغة لاخرى ، من مصطلح لاخر .
من اهم تلك العلوم مثلا و التى قد تساعد كل قارىء على فهم و تفسير ما يقرأ لمضمونه و ليس للغته او اين نشأ ، هو علم الاحصاء ، فهو بحر عظيم لا نعرف عنه الا قليلا ، هو من العلوم التى قد تجد العامة تعرف عنها اكثر من اساتذه العلم و هم لا يدرون ، فالاحصاء منهج و طريقة تفكير قد تتوافر لاى فرد يعقل موازين اموره ،ايضا نجد بعض من يدرسون ذلك العلم الواسع يقدمه فى صورة سطحية او منقوصة بحيث لا يصل المتعلم منها لشىء ، و لا يستفيد منها فى شىء ، على الرغم من روعة ذلك الفرع من العلم .
من اهم ما تتعلمه فى ذلك العلم الاحصائى ، ان العناصر قد تسمى احيانا بالمتغيرات او الثوابت حسب طبيعة العملية التى تقوم عليها ، فان كنت تتحدث عن النظام العشوائى فهى فى تلك الحالة تسمى متغيرات لانك مع كل تجريب يختلف العنصر المستخدم ، اما فى العمليات الجامدة فالعناصر ها هنا ثوابت لا يمكن تغييرها .
لكن ما ينتشر فى الاونة الاخيرة من عشوائية و غوغائية و تغيير مسميات من اجل استحسان اللفظ و الكلمة ، اخفاء حقيقتها عن الاذن ظنا انه يمكن بذلك ان تخفى على العقل و الفؤاد ، كل ذلك يعنى بالدرجة الاولى اننا لم ندرس اى احصاء او منطق او فلسفة طوال مدة دراستنا فى حياتنا السابقة و قد يكون فى الحياة الاخرى ايضا ، نحن و غيرنا و كل منا يجيد تزييف الواقع بمجرد تغيير المسمى ، كل منا يريد تغيير الواقع و الماضى و يمكن المستقبل بتغيير المسميات حتى يستطيع ان يقف امام الباقيين دون ان يتصبب عرقا ، يزداد انشغالا على باله المشغول و هو يقول : لقد فعلت كذا .
و انا عندما اتحدث هنا ، اتحدث عن الجميع و ابدأ بنفسى ، مرورا بمجتمعنا ، ثم المجتمعات العالمية كلها ، فالجميع على حد السواء يفعل مثل ذلك ، نرى الطبقة الارستقراطية و هى تلقب الخمر مثلا بأسماء و لغات اخرى مثل wine مثلا او فودكا او شامبانيا ، استحسانا للكلمة و للفظ كلمة حرام . تقييد الحريات قد تدعى احيانا حفاظ على الامن العام ، تجد مثلا ان ذلك المصطلح يغيب و يندثر وقت حدوث فتنة طائفية .
تجد مثلا مصطلحات مثل الحلاوة و الاكرامية و الشاى و الفطار و كلك نظر و غيرها لتغطى على مصطلح الرشوة ، فالراشى و المرتشى فى النار كما نعلم جميعا ، لكن من يحلى بقه ، من يشرب شايه ، من يتناول افطاره ، لا يعد اثم او ارتكب خطأ من وجهه نظره ، المصيبة ان كان يفعل ذلك لكى لا يسائل عن ذلك قانونيا فقط ، لا يعبأ اصلا ان كانت الرشوة حراما او لا .
تجد مثلا فى الغرب القاعدة كما عندنا ، ففى امريكا مثلا و هى دولة الديمقراطية و الحريات ، حريات لدرجة تسمح لك ان تقول ما شئت دون ان تخاف من عاقبة ما تقول ، تجد ان لديهم مصطلحات مشابهة ، فالاحتلال و الغزو هو حملة ارساء الديمقراطية ، يمكن التكفير عن ذنب ابادة شعب بأكمله و هم الهنود الحمر ، بتلقيب ما تبقى منهم بلقب الامريكيون الاصليون native Americans كأن هذا الوسام العريق الذى يفوق الميدالية الاوليمبية هو ما تبقى من امة بكاملها ، ابادتها الايادى السابقة ، نحن نخلد ذكراهم الكريمة بهذا الوسام ....
و تجد مثلا فى دولة الاحتلال الصهيونى القاب و القاب ، هم ملوك صناعة مثل تلك الالقاب و الاكاذيب ، كأن العلم الموروث فى التوراة كله مات معناه و لم يتبقى منه الا لفظه و ايحائاته التى ترضى كل صاحب هوى ، فتجد مثلا قتل المدنيين و العزل ، بغرض ابادتهم و العيش على انقاضهم ، فوق الجماجم المتناثرة تسكن ضلوعهم ، بانه امن اسرائيل . مصطلح قيم لائق يمكن ان يبرر كل ما يرتكب من جرائم فى حق الفلسطينيين و من قبلهم العرب جميعا .تعذيب السجناء تسميه شرعية قانونية ، العدوان تسميه سلاماً ، التجسس هو وقاية امن اسرائيل الاستعمار تسميه استيطاناً . تجد جمع الاسلحة النووية و تخزينها بهدف ترهيب و اخافة العرب بأنها تلقب بمسمى امن اسرائيل ، من تخادعون يا قوم ؟
حتى الشيطان الذى هو كاره للانسان و لا يريد الا الخراب و الدمار و ان يجعله يلحق به فى جهنم ، قد اعلنها واضحة و صريحة ، و ذكرها الله تعالى فى محكم التنزيل حتى يكون لنا عبرة و عظة من ذلك فى قوله تعالى : (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ))
{ الحجر : 39 } . طريق الاغواء عند الشيطان كما اعلن منذ البداية هى تزيين الاشياء ، تغيير المسميات ، بدأها قديما مع ادم بتغيير اسم الشجرة الى شجرة الخلد ، ثم تغيير اسم عبادة الاوثان الى التقرب لله عبر التقرب لتلك الاوثان ، الان يغير و يغير فى الاسماء التى عجز على ان يجابه بها ادم عليه السلام قديما و لا يزال يغير ، نحن لا زلنا نصدق .
تجد عندنا ايضا بعض الناس مهتمة باللفظ فقط فى الدين ، تهتم بلفظ حرام و حلال فقط للفظهما و ليس لمعناهما و فحواهما ، تجد من يأخذ الفتاوى على الاهواء لذكر حلال و حرام ، ممثلة محجبة تأخذ الفتوى فى شرعية الخروج على الناس بالشعر المستعار بدلا من شعرها ، كأنه بتلك الحالة يمثل حجابا . اى هبل هذا ؟ اهتمام بلفظ حلال ، حرام فقط دون النظر لم يفرض الحجاب اصلا . الاهتمام بالفتوى دون التفكير فيها ، المسارعة لطلب الفتوى فى امور لا تحتاج الا اعمال العقل ، التفكير فى الغرض من كل فتوى ، هى حماية الدين و النفس و العرض و العقل و المال .
لو فكر كل واحد فى ذلك لكان سهلا عليه التمييز فى تلك التوافه التى يهتم فيها فقط بطلب الفتوى ليعلم و يرضى رغبته فى اشباع لفظ الحرام و الحلال ، بدون النظر الى حقيقة الدين و جوهره و منهجه ، ان اهم ما يميز الدين هى بساطة العقيدة و انه يصلح لاى انسان كان مهما اختلفت طريقة تفكيره ، مهما كان عقله ، فالدين كله يرتكز على عبادة الله وحده و عدم الشرك ، و فى فلك ذلك يدور الجميع ، اما البحث عن تلك الاشياء التى تزيد اللغط و الحديث و التفاهات مما لا ينفع و لا يشفع ، فهو يضر صاحبه و الناس جميعا ممن يسمعون تلك الفتوى العظيمة ممن اعطاها الفتوى و غيرها .
تغيير المصطلحات و الاسماء لن يغير الحقائق ، الاهتمام بظواهر الامور و ترك و اهمال باطنها و جوهرها ، قد يجعل الانسان يحيد عن الصواب و عما يبتغيه ، يجعله ينشغل بالتوافه و يترك الحقائق ، يجعله يعزز فى نفسه ان ما يفعله هو شىء جديد مستحدث لا ضرر فيه ، لا يجعله يرد الامور لاصلها ليعلم ان باطنها لا يدعو الى الخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق