الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010

عودة الحرب على الاسلام فى البانيا

عودة الحرب على الاسلام فى البانيا

البانيا ليست تلك الدولة التى نسمع عنها فى مباريات كرة القدم بانها تتلقى سداسية نظيفة من فريق اوروبى معروف ، لنكتشف انها دولة اوروبية ، البانيا ليست تلك الدولة التى برعنا فى عدم المعرفة عنها و عن تاريخها اى شىء و عن احوال الناس هناك و امكانية التعاون بيننا و بينهم ،لا نعرف عن البانيا سوى انها موطن محمد على باشا الذى ولد فى اقليم قولا و انه قدم منها مع الحملات العثمانية ، البانيا ليست الدولة التى نظنها تقتصر على ذلك .


تقع البانيا فى منطقة الوسط الاوروبى الجنوبى ، و لكن بالرغم من ذلك فثقافة الشعب الالبانى تميل قليلا نحو الشرق الاوروبى . يحد البانيا من الشمال كوسوفو و جمهورية الجبل الاسود المتكونة حديثا ، يحدها شرقا مقدونيا و الجزء الشمالى من اليونان ، الذى يمتد بدوره حتى حدودها الجنوبية ، بينما يفصلها غربا البحر الادرياتيكى عن ايطاليا .


العرق الالبانى نفسه يمتد بين البانيا و عديد من تلك الدول . فالى جانب البانيا نفسها ، يشغل العرق الالبانى اغلب كوسوفو ، كثيرا من مقدونيا ، 10 % من شعب الجبل الاسود .


البانيا فى اللغة الالبانية تدعى " شيبرى " او " ارض النسور " ، هو قد يكون تفسيرا للنسر ذو الرأسين على العلم الابانى . يرجع تاريخ البانيا الى وقت طويل يصل الى الحضارة الرومانية ، ما قبلها ، ثم تبعوا الدولة البيزنطية من بعدها ، حيث شكلت الدولة رغم صغرها جزءا فى تاريخ اوروبا منذ ذلك الحين ، تعرف الالبان على الدين من طرق مختلفة ، حيث تعرفوا على الدين المسيحى عن طريق الشعوب المجاورة التى تدين بالديانة المسيحية سواء كاثوليك او ارثوذوكس . تعرفوا على الدين الاسلامى من خلال بعض التجار الذين قدموا من بلاد فارس للتجارة على الاراضى الالبانية ثم من صقلية ، ثم من خلال مناطق اخرى عبر العالم ، ثم مع نشاط الحركة العثمانية ، دخلت الامبراطورية العثمانية البانيا ، اتسع نشاط الاسلام و الدعوة للاسلام ، تلقى الالبان الدعوة للاسلام بشكل سريع ، اصبح المسلمون فى البانيا يشكلون الجزء الاكبر من غالبية السكان . و ظلوا تحت الحكم العثمانى الى ان تم حل الدولة العثمانية قبيل الحرب العالمية الاولى . و تم اعلان البانيا كدولة مستقلة ... و بدأت المشاكل .


كانت لاوروبا فى ذلك الوقت – عقب الحرب العالمية الاولى – موقفا معاديا ضد تركيا ، على اعتبار ما بدر منها سابقا من مواجهات حربية ضدهم فى وقت الدولة العثمانية ، امتدت النظرة الى كل من يتدين بالدين الاسلامى وقتها و فى نفس الظروف التى كانت عليها ، فتنكر الالبان فى ذلك الوقت من الدين الاسلامى الذى وصل احيانا للعنف فى الدولة العثمانية ليكسب ود اوروبا ، برر امام الغرب ان اسلامه لا يمتاز بمثل ذلك العنف السابق ، بدأت الحكومة الالبانية تنكر على نفسها و على دولتها انها مسلمة حتى تثبت لهم اكثر . و اعلن الرئيس احمد زوغو النظام العلمانى فى البلاد ، تزوج من كاثوليكية لاثبات ذلك .


فى عام 1939 م وقعت البانيا تحت الاحتلال الفاشى متمثلا فى ايطاليا ، بدا فى العام 1942 م تكوين خلايا شيوعية مناهضة ، على حسب العرف الذى كان سائدا وقتها فى العالم ، كنتيجة لما نشره السوفييت فى تلك الفترة فى العالم كله من افكار و تكوين خلايا شيوعية فى العالم كله ، ثم تكون الحزب الشيوعى الالبانى الذى اعتلى مقاليد الحكم فى البلاد بعد انتهاء الاحتلال الايطالى ، تنصيب انور خوجا رئيسا للبلاد فى العام 1946 م .


كعادة الفكر الشيوعى و ظنه بكونه الفريد الصحيح الوحيد ، ان الغير هو على خطأ دائما .. رفض انور خوجا اى فكر اخر فى البلاد و ان كان فكر دينى فبدأ بمحاربة و منع الدين تماما فى البلاد ، رفض وجود اى معالم او تقاليد دينية فى البلاد ، لما قد يتعارض مع فكره و ارائه المفروضة على الشعب الالبانى ، تم هدم المساجد او تحويلها لمكتبات و نوادى لنشر الفكر الشيعى ، او اسطبلات او متاحف لو كان لها قيمة تاريخية ، رفض اقامة اى شعائر دينية فى البلاد ، نص الدستور على ان الدين الرسمى للبلاد هو الالحاد ، ليكون الوحيد فى العالم الذى يفعل ذلك ، تصبح البانيا الوحيدة فى العالم التى تحتوى دستور كهذا . و الغريب انه كان دائما ما يفخر بذلك فى الخطب السياسية له .


تم منع التسمية باى اسماء لها علاقات باديان او انتمائات ، الاكتفاء بالاسماء التاريخية القديمة ، اسماء الشجر و الازهار و الاماكن و المدن و غيرها ، فلا تجد اسماء مثل محمد او كريستان فى البلاد فى تلك الفترة . و ان عارض احد ذلك القانون و ذهب لتسجيل احد تلك الاسماء ، يقومون بتغير الاسم عند تسجيله .


مع سقوط الشيوعية فى اوروبا ، قيام ثورات التحرير ، قامت ثورة ضد انور خوجا الذى استمر لاكثر من اربعين عاما فى الحكم ، ترك البلاد فقيرة بعدما اهدر مواردها كلها على التسليح العسكرى و بناء الخنادق ، ليحل عصرا جديدا فى البانيا كما هو حال اوروبا بعد انهيار الشيوعية ، الكل يبحث عن طاقة روحانية ، طاقة ايمانية تزيد انتمائه و تجعله مطمئنا ، فكان لابد من البحث عن دين من اجل الانتماء ، بدأ الاستقطاب من كافة دول العالم و الذهاب الى اغلب دول العالم لتعلم الدين ، كان الحظ الاوفر و نصيب الاسد منها هو الاسلام ، لانه كان سمحا بحق ، لمعرفة الالبان به من قبل عبر الاجداد المسلمين .


انفتح الالبان على العالم كله و منه العالم العربى ، سافر طلبة العلم الى تركيا و سوريا و مصر و الامارات و غيرها لتحصيل العلم فى الدين ، استقدموا الدعاة و المشايخ من كل العالم ليعلموهم الدين ، لان المشايخ الابان تعرضوا للقتل او الحبس او الطرد خارج البلاد ، فلم يجد الالبان الا قلة قليلة لا تكفى لتعليمهم الدين ، تم اعادة اعمار و فتح المساجد و تعميرها لتصبح قادرة على استقبال المصليين بعد ما حدث لها و اصابها من تخريب ، فتم افتتاح 540 مسجدا فقط بعد الترميم فى البانيا كلها ، لعل هذا يعطيك دلالة على ما حدث فى المساجد فى الفترة السابقة . كان الدين عند الاشخاص لا يزال ضعيفا و لم يعرفوا عنه الكثير لدرجة ان من كان يحفظ اخر عشرة سور فى القرأن يصبح اماما للناس فى الصلاة .


الغريب ان الحركات التنصيرية كانت تلقى الدعم الغربى من حكوماتها بكثرة ، فتم توفير لهم كل شىء و جمع التبرعات ، ارسال المعونات ، بينما الحال فى العالم العربى كان لا يكفى لتحقيق الدور المطلوب ، نجح الالبان المسلمون بالرغم من ذلك من تدارك الموقف و التعامل مع ما هو متوفر بشكل مناسب نسبيا ، حتى صارت نسبة المسلمين فى البانيا تقريبا اكثر من 65 % .


مع احداث الحادى عشر من سبتمبر ، اعيد اغلاق الدائرة على نفسها ، تم منع المنظمات الاسلامية من الدخول ، تم طرد المنظمات الاسلامية باستثناء خمس جمعيات فقط ، بينما نشطت الارساليات و الحركات التبشيرية على الشعب الالبانى ، لتمثل ضغطا على مسلمى البانيا فى ظل الكساد و الفقر و الضعف الاقتصادى ، بدأ استغلال ذلك و ممارسة الضغط على العاطلين و الفقراء و من يحتاج تأشيرة الانتقال لدولة اوروبية اخرى للعمل او للعلاج ، فتأشيرة الفيزا يتم الحصول عليها من طوابير طويلة امام السفارات الاوروبية بمساعدة هيئات كاثوليكية . اصبح المسلمون لقمة سائغة فى ظل الفقر و غياب التدين فى الاباء بحكم الفترة التى مروا بها اثناء الشيوعية الى جانب غياب دور الدول و المنظمات الاسلامية ، غياب الدعوة الاسلامية التى تركت المساحة شاغرة فى العقول للعبث و انتشر الالحاد و فرد اجنحته حتى فوق الرؤوس المسلمة ، فظهر جيل لا يعرف عن الاسلام الا من خلال ان اجداده كانوا يدينون به من قبل . قد تجد مسلمون على الورق فقط ، ديانتهم و ايمانهم غير موجود عمليا ، قد تسألهم فتجدهم يجيبون بأنهم ملحدون لا يؤمنون بالله رغم انهم مسلمون .


حتى مرحلة اعادة البناء للمساجد بدأت تتراجع قليلا ، بسبب قلة الدعم المالى من ناحية ، بسبب التضييق المفروض على بناء المساجد ، فيوجد كنائس ارثوذكسية فى مناطق غير مأهولة بالمسيحيين اصلا، تظل فارغة كل يوم ، بينما المساجد عددها قليل لا يكفى لاصطفاف المصليين فى صلاة الجمعة ، ليصل عدد المساجد 650 مسجد تقريبا فى البانيا فى مقابل 1300 كنيسة بينما نسبة السكان هى 65% مسلمين فى مقابل اقل من 30% من المسيحيين ، كل ذلك نتيجة الدعم الذى يلقونه و تسمح به الحكومة الالبانية من دول اوروبية مثل اليونان و غيرها ، فى مقابل غياب الدور الاسلامى ، عدم مرونة الحكومة الالبانية فى الدعم ايضا لكسب الود الاوروبى .


حيث ان البانيا مازالت حتى الان على قائمة الانتظار للانضمام للاتحاد الاوروبى ، مازال هناك تأفف اوروبى و خشية اوروبية من انضمام البانيا المسلمة الى الاتحاد الاوروبى ، بينما سمحت لدول مثل بلغاريا و رومانيا بسهولة ، حتى ان الصرب و الجبل الاسود نال مواطنيهم حرية التنقل فى اوروبا بسهولة و بدون تأشيرة ، ما نزال البانيا و حكومتها تنتظر قرار العفو الاوروبى من تهمة لا اعرف من الصقها بهم ، هل يصدقونها ام لا .


لا تسألنى عن سبب قبول الصرب المجرمين فى تهم جرائم حرب و ابادات بشرية ، تم ادانتهم بالفعل ، اى ان لا يوجد من تخاف منه من الناحية الامنية اكثر من هؤلاء الذين لديهم العصبية و التعظيم لانفسهم و رفض الاخر ، بل و ذبحه و ابادته فى مذابح جماعية متعصبة . لا تسألنى عن سبب رفض دول مثل البانيا و البوسنة حتى اللحظة الحالية ، فانت لا تحتاج الى من يقول لك السبب ، فالصرب ابادوا عائلات و اسر من مسلمى البوسنة ، تلك الفئة التى لا تحبذها اوروبا فى اللحظة الحالية ، او على اقل تقدير تخشاها . فليكن الصرب اذن اغلى الاحباء ، بينما على البوسنة و البانيا الانتظار طويلا ، البقاء فى دائرة مغلقة على انفسها ، لا تستطيع ان تنفتح على العالم الاسلامى ، لا على العالم الاوروبى ، قد يجيدوا استخدام ذلك جيدا فى الايام القادمة .


فعندما كانت تركيا فى نفس الموقف البوسنى و الالبانى ، ارادت التقدم فرفضها الاتحاد الاوروبى ، فغيرت تركيا من سياساتها مع قدوم الحكومة الجديدة ، دعت لهم بألف سلامة ، و فضلت الانفتاح العربى عن الانفتاح الاوروبى ، وجهت كل نشاطها نحو العالم العربى و ليس الاوروبى ، نشطت الحركة الدينية داخل البلاد و نسيت كل الكلام القديم عن العلمانية ، اعلنوا انهم لن يكونوا علمانيين كما تريد اوروبا ، فهل تنتهج البانيا نفس السياسة قريبا ، ام تنتظر لحين انحسار اعداد المسلمين بها ، تركع للاتحاد الاوروبى ليقبل طلبها ؟


هل تتحول البانيا الى اندلس جديدة كانت بين ايدى المسلمين فاضاعوها لغياب المساندة ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق