عودة الحرب على الاسلام فى البانيا
البانيا ليست تلك الدولة التى نسمع عنها فى مباريات كرة القدم بانها تتلقى سداسية نظيفة من فريق اوروبى معروف ، لنكتشف انها دولة اوروبية ، البانيا ليست تلك الدولة التى برعنا فى عدم المعرفة عنها و عن تاريخها اى شىء و عن احوال الناس هناك و امكانية التعاون بيننا و بينهم ،لا نعرف عن البانيا سوى انها موطن محمد على باشا الذى ولد فى اقليم قولا و انه قدم منها مع الحملات العثمانية ، البانيا ليست الدولة التى نظنها تقتصر على ذلك .
تقع البانيا فى منطقة الوسط الاوروبى الجنوبى ، و لكن بالرغم من ذلك فثقافة الشعب الالبانى تميل قليلا نحو الشرق الاوروبى . يحد البانيا من الشمال كوسوفو و جمهورية الجبل الاسود المتكونة حديثا ، يحدها شرقا مقدونيا و الجزء الشمالى من اليونان ، الذى يمتد بدوره حتى حدودها الجنوبية ، بينما يفصلها غربا البحر الادرياتيكى عن ايطاليا .
العرق الالبانى نفسه يمتد بين البانيا و عديد من تلك الدول . فالى جانب البانيا نفسها ، يشغل العرق الالبانى اغلب كوسوفو ، كثيرا من مقدونيا ، 10 % من شعب الجبل الاسود .
البانيا فى اللغة الالبانية تدعى " شيبرى " او " ارض النسور " ، هو قد يكون تفسيرا للنسر ذو الرأسين على العلم الابانى . يرجع تاريخ البانيا الى وقت طويل يصل الى الحضارة الرومانية ، ما قبلها ، ثم تبعوا الدولة البيزنطية من بعدها ، حيث شكلت الدولة رغم صغرها جزءا فى تاريخ اوروبا منذ ذلك الحين ، تعرف الالبان على الدين من طرق مختلفة ، حيث تعرفوا على الدين المسيحى عن طريق الشعوب المجاورة التى تدين بالديانة المسيحية سواء كاثوليك او ارثوذوكس . تعرفوا على الدين الاسلامى من خلال بعض التجار الذين قدموا من بلاد فارس للتجارة على الاراضى الالبانية ثم من صقلية ، ثم من خلال مناطق اخرى عبر العالم ، ثم مع نشاط الحركة العثمانية ، دخلت الامبراطورية العثمانية البانيا ، اتسع نشاط الاسلام و الدعوة للاسلام ، تلقى الالبان الدعوة للاسلام بشكل سريع ، اصبح المسلمون فى البانيا يشكلون الجزء الاكبر من غالبية السكان . و ظلوا تحت الحكم العثمانى الى ان تم حل الدولة العثمانية قبيل الحرب العالمية الاولى . و تم اعلان البانيا كدولة مستقلة ... و بدأت المشاكل .
كانت لاوروبا فى ذلك الوقت – عقب الحرب العالمية الاولى – موقفا معاديا ضد تركيا ، على اعتبار ما بدر منها سابقا من مواجهات حربية ضدهم فى وقت الدولة العثمانية ، امتدت النظرة الى كل من يتدين بالدين الاسلامى وقتها و فى نفس الظروف التى كانت عليها ، فتنكر الالبان فى ذلك الوقت من الدين الاسلامى الذى وصل احيانا للعنف فى الدولة العثمانية ليكسب ود اوروبا ، برر امام الغرب ان اسلامه لا يمتاز بمثل ذلك العنف السابق ، بدأت الحكومة الالبانية تنكر على نفسها و على دولتها انها مسلمة حتى تثبت لهم اكثر . و اعلن الرئيس احمد زوغو النظام العلمانى فى البلاد ، تزوج من كاثوليكية لاثبات ذلك .
فى عام 1939 م وقعت البانيا تحت الاحتلال الفاشى متمثلا فى ايطاليا ، بدا فى العام 1942 م تكوين خلايا شيوعية مناهضة ، على حسب العرف الذى كان سائدا وقتها فى العالم ، كنتيجة لما نشره السوفييت فى تلك الفترة فى العالم كله من افكار و تكوين خلايا شيوعية فى العالم كله ، ثم تكون الحزب الشيوعى الالبانى الذى اعتلى مقاليد الحكم فى البلاد بعد انتهاء الاحتلال الايطالى ، تنصيب انور خوجا رئيسا للبلاد فى العام 1946 م .
كعادة الفكر الشيوعى و ظنه بكونه الفريد الصحيح الوحيد ، ان الغير هو على خطأ دائما .. رفض انور خوجا اى فكر اخر فى البلاد و ان كان فكر دينى فبدأ بمحاربة و منع الدين تماما فى البلاد ، رفض وجود اى معالم او تقاليد دينية فى البلاد ، لما قد يتعارض مع فكره و ارائه المفروضة على الشعب الالبانى ، تم هدم المساجد او تحويلها لمكتبات و نوادى لنشر الفكر الشيعى ، او اسطبلات او متاحف لو كان لها قيمة تاريخية ، رفض اقامة اى شعائر دينية فى البلاد ، نص الدستور على ان الدين الرسمى للبلاد هو الالحاد ، ليكون الوحيد فى العالم الذى يفعل ذلك ، تصبح البانيا الوحيدة فى العالم التى تحتوى دستور كهذا . و الغريب انه كان دائما ما يفخر بذلك فى الخطب السياسية له .
تم منع التسمية باى اسماء لها علاقات باديان او انتمائات ، الاكتفاء بالاسماء التاريخية القديمة ، اسماء الشجر و الازهار و الاماكن و المدن و غيرها ، فلا تجد اسماء مثل محمد او كريستان فى البلاد فى تلك الفترة . و ان عارض احد ذلك القانون و ذهب لتسجيل احد تلك الاسماء ، يقومون بتغير الاسم عند تسجيله .
مع سقوط الشيوعية فى اوروبا ، قيام ثورات التحرير ، قامت ثورة ضد انور خوجا الذى استمر لاكثر من اربعين عاما فى الحكم ، ترك البلاد فقيرة بعدما اهدر مواردها كلها على التسليح العسكرى و بناء الخنادق ، ليحل عصرا جديدا فى البانيا كما هو حال اوروبا بعد انهيار الشيوعية ، الكل يبحث عن طاقة روحانية ، طاقة ايمانية تزيد انتمائه و تجعله مطمئنا ، فكان لابد من البحث عن دين من اجل الانتماء ، بدأ الاستقطاب من كافة دول العالم و الذهاب الى اغلب دول العالم لتعلم الدين ، كان الحظ الاوفر و نصيب الاسد منها هو الاسلام ، لانه كان سمحا بحق ، لمعرفة الالبان به من قبل عبر الاجداد المسلمين .
انفتح الالبان على العالم كله و منه العالم العربى ، سافر طلبة العلم الى تركيا و سوريا و مصر و الامارات و غيرها لتحصيل العلم فى الدين ، استقدموا الدعاة و المشايخ من كل العالم ليعلموهم الدين ، لان المشايخ الابان تعرضوا للقتل او الحبس او الطرد خارج البلاد ، فلم يجد الالبان الا قلة قليلة لا تكفى لتعليمهم الدين ، تم اعادة اعمار و فتح المساجد و تعميرها لتصبح قادرة على استقبال المصليين بعد ما حدث لها و اصابها من تخريب ، فتم افتتاح 540 مسجدا فقط بعد الترميم فى البانيا كلها ، لعل هذا يعطيك دلالة على ما حدث فى المساجد فى الفترة السابقة . كان الدين عند الاشخاص لا يزال ضعيفا و لم يعرفوا عنه الكثير لدرجة ان من كان يحفظ اخر عشرة سور فى القرأن يصبح اماما للناس فى الصلاة .
الغريب ان الحركات التنصيرية كانت تلقى الدعم الغربى من حكوماتها بكثرة ، فتم توفير لهم كل شىء و جمع التبرعات ، ارسال المعونات ، بينما الحال فى العالم العربى كان لا يكفى لتحقيق الدور المطلوب ، نجح الالبان المسلمون بالرغم من ذلك من تدارك الموقف و التعامل مع ما هو متوفر بشكل مناسب نسبيا ، حتى صارت نسبة المسلمين فى البانيا تقريبا اكثر من 65 % .
مع احداث الحادى عشر من سبتمبر ، اعيد اغلاق الدائرة على نفسها ، تم منع المنظمات الاسلامية من الدخول ، تم طرد المنظمات الاسلامية باستثناء خمس جمعيات فقط ، بينما نشطت الارساليات و الحركات التبشيرية على الشعب الالبانى ، لتمثل ضغطا على مسلمى البانيا فى ظل الكساد و الفقر و الضعف الاقتصادى ، بدأ استغلال ذلك و ممارسة الضغط على العاطلين و الفقراء و من يحتاج تأشيرة الانتقال لدولة اوروبية اخرى للعمل او للعلاج ، فتأشيرة الفيزا يتم الحصول عليها من طوابير طويلة امام السفارات الاوروبية بمساعدة هيئات كاثوليكية . اصبح المسلمون لقمة سائغة فى ظل الفقر و غياب التدين فى الاباء بحكم الفترة التى مروا بها اثناء الشيوعية الى جانب غياب دور الدول و المنظمات الاسلامية ، غياب الدعوة الاسلامية التى تركت المساحة شاغرة فى العقول للعبث و انتشر الالحاد و فرد اجنحته حتى فوق الرؤوس المسلمة ، فظهر جيل لا يعرف عن الاسلام الا من خلال ان اجداده كانوا يدينون به من قبل . قد تجد مسلمون على الورق فقط ، ديانتهم و ايمانهم غير موجود عمليا ، قد تسألهم فتجدهم يجيبون بأنهم ملحدون لا يؤمنون بالله رغم انهم مسلمون .
حتى مرحلة اعادة البناء للمساجد بدأت تتراجع قليلا ، بسبب قلة الدعم المالى من ناحية ، بسبب التضييق المفروض على بناء المساجد ، فيوجد كنائس ارثوذكسية فى مناطق غير مأهولة بالمسيحيين اصلا، تظل فارغة كل يوم ، بينما المساجد عددها قليل لا يكفى لاصطفاف المصليين فى صلاة الجمعة ، ليصل عدد المساجد 650 مسجد تقريبا فى البانيا فى مقابل 1300 كنيسة بينما نسبة السكان هى 65% مسلمين فى مقابل اقل من 30% من المسيحيين ، كل ذلك نتيجة الدعم الذى يلقونه و تسمح به الحكومة الالبانية من دول اوروبية مثل اليونان و غيرها ، فى مقابل غياب الدور الاسلامى ، عدم مرونة الحكومة الالبانية فى الدعم ايضا لكسب الود الاوروبى .
حيث ان البانيا مازالت حتى الان على قائمة الانتظار للانضمام للاتحاد الاوروبى ، مازال هناك تأفف اوروبى و خشية اوروبية من انضمام البانيا المسلمة الى الاتحاد الاوروبى ، بينما سمحت لدول مثل بلغاريا و رومانيا بسهولة ، حتى ان الصرب و الجبل الاسود نال مواطنيهم حرية التنقل فى اوروبا بسهولة و بدون تأشيرة ، ما نزال البانيا و حكومتها تنتظر قرار العفو الاوروبى من تهمة لا اعرف من الصقها بهم ، هل يصدقونها ام لا .
لا تسألنى عن سبب قبول الصرب المجرمين فى تهم جرائم حرب و ابادات بشرية ، تم ادانتهم بالفعل ، اى ان لا يوجد من تخاف منه من الناحية الامنية اكثر من هؤلاء الذين لديهم العصبية و التعظيم لانفسهم و رفض الاخر ، بل و ذبحه و ابادته فى مذابح جماعية متعصبة . لا تسألنى عن سبب رفض دول مثل البانيا و البوسنة حتى اللحظة الحالية ، فانت لا تحتاج الى من يقول لك السبب ، فالصرب ابادوا عائلات و اسر من مسلمى البوسنة ، تلك الفئة التى لا تحبذها اوروبا فى اللحظة الحالية ، او على اقل تقدير تخشاها . فليكن الصرب اذن اغلى الاحباء ، بينما على البوسنة و البانيا الانتظار طويلا ، البقاء فى دائرة مغلقة على انفسها ، لا تستطيع ان تنفتح على العالم الاسلامى ، لا على العالم الاوروبى ، قد يجيدوا استخدام ذلك جيدا فى الايام القادمة .
فعندما كانت تركيا فى نفس الموقف البوسنى و الالبانى ، ارادت التقدم فرفضها الاتحاد الاوروبى ، فغيرت تركيا من سياساتها مع قدوم الحكومة الجديدة ، دعت لهم بألف سلامة ، و فضلت الانفتاح العربى عن الانفتاح الاوروبى ، وجهت كل نشاطها نحو العالم العربى و ليس الاوروبى ، نشطت الحركة الدينية داخل البلاد و نسيت كل الكلام القديم عن العلمانية ، اعلنوا انهم لن يكونوا علمانيين كما تريد اوروبا ، فهل تنتهج البانيا نفس السياسة قريبا ، ام تنتظر لحين انحسار اعداد المسلمين بها ، تركع للاتحاد الاوروبى ليقبل طلبها ؟
هل تتحول البانيا الى اندلس جديدة كانت بين ايدى المسلمين فاضاعوها لغياب المساندة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق