كيف تخلق حالة من البلادة
التقيت اليوم بأحد الاساتذة من الاطباء الذين اشرف بتلقى بعض العلم عنهم فى السابق عبر الجامعة ، كان الحديث ايضا مرتبطا بالطب و موضوع المناقشة يتناول بعض طرق علاج بعض الامراض و الشكاوى الطارئة التى ترد على معظم الاطباء فى الاستقبال ، منها حالة حساسية الصدر .
كان الكلام احيانا فى صميم الطب و احيانا اخرى مرتبط بالاحداث العامة مثل احوال البلاد ، النظام الجارى فى مصر ، ربط الكيف بالكيف ، المثال بالمثال ، مثلا ربط النظام السياسى مع طريقة علاج حساسية الصدر .
فى مجمل بعض حديثه انقل عنه الاتى :
( هل تعلم كيف يتم التحكم فى حساسية الصدر و علاجها ؟؟؟
يتم ذلك عبر ادخال عناصر مشابهة لنفس نوع الجسيمات التى تحدث الحساسية عند استنشاقها و ذلك فى اماكن اخرى مثل تحت الجلد بشكل تدريجى مخفف فى البداية ثم يزيد تدريجيا ، فيتأثر الجسم بها فى البداية ، ثم يعتاد ، ثم يصاب بالبلادة تجاهها و نظائرها الاصلية مسببة الحساسية ، حتى لو زادت كمية الجسميات التى تدخل الجسم عن السابق .
نفس الطريقة تم استخدامها لاصابة الشعب المصرى بالبلادة تجاه ظلم الابرياء
دفع مظاهرات مخففة فى البداية فى العباسية و مثيلها فى اجزاء اخرى ، زيادة المظاهرات بشكل تدريجى فى اتجاهات مختلفة ، ناس تصرخ خربتم البلد ، اخرون يقولون نريد دفع عجلة الانتاج ، بعد قليل تلك المظاهرات التى كانت تؤدى الى نتائج ساحقة بأعداد اقل ، صارت لا تؤتى نفس النتائج ، يُرجع الاسلاميون ذلك الى عدم نزولهم ، يصاب الشعب بالبلادة تجاه اى مظاهرة و يفقدون التعاطف معها ، يردون على مشاهد من يقتل و يسحل بـ : " و هو ايه اللى وداهم هناك ؟؟ " .)
اعجبنى التصور جدا ، حتى لو كان طريقة الادارة ربما لا تعرف انها تقوم بذلك ، اقول ذلك من خلال ملاحظتى لكم الجهل و طريقة التفكير الكلاسيكية و العبيطة احيانا لمن يتولون طريقة الادارة ، فاعتقد انه ربما لا يقصدون ذلك و لا يدرون به ، لكنه يحدث للاسف .
ان حالة البلادة التى ربما اصابت قطاعا كبيرا من الشعب الذى كان و لا يزال مشاركا فكرة الثورة ( دعك من محبى الاستقرار الذين يحبون ان يبقى الوضع على ما هو عليه و يخشون اى محاولة للتغيير خوفا مما قد تسفر عنه ، فهم كانوا يتعاطفون مع مبارك لنفس السبب ) ، هذا القطاع الذى اصيب بتلك الحالة من البلادة اصبح متأثرا بمثل تلك الطريقة ، له عذره .
فهو للاسف اغلبيته لا تشاهد الا التلفزيون المصرى الشقيق القاطن بماسبيرو ، صار شقيقا لبعده عن الشارع و الاحداث ( وان كانت هناك بعض المحاولات التى كانت تدعو لتغيير مساره ، بائت بالفشل بعد اعادة التدخل فى سياسته مع ظهور دعاوى الاضراب ) ، هذا الجهاز الاعلامى للاسف شوه فكر الناس عن مصر و المصريين ، جعل همهم هو لقمة العيش و عجلة الانتاج التى لا يكسب اى منهم اى شىء اضافى منها عن مرتبه سواء دارت او لم تدور .
فى تصورى ، هناك نوعان من البشر لا يستجيبون لطريقة غسيل المخ ، الاول هو المدرك الملم بالموضوع و المحيط بأبعاده و قوانينه و قواعده و الجدل الدارك عنه منجميع الاراء ، ذلك لان عقله يعمل و يفكر و يمكنه ان يرجح الفكرة على الفكرة المقابلة ، يكتشف بواطن السذاجة فى داخل هذا الرأى المضاد .
النوع الثانى هو انسان اصلا قدرته على التركيز و المتبعة قليلة ، فكلما حاولت ان تشغله فى قضية ما او برنامج مطول ما ، يسرح فى افكاره الخاصة و لا يتابع ، فيفقد برنامج غسيل العقل قيمته المعتدة اساسا على تركيز المتلقى و تصديقه لما يقال .
لا اعتقد ان غالبية هؤلاء المرددين لكلمات الحكومة ( و التى عرفوها ابدا و دائما بأنه كلام حكومة بمعنى كذب متأصل ) لا اعتقد ان هؤلاء من ذلك الصنفين الذين لديهما القدرة على تكذيب برامج غسيل المخ . ذلك لأن الشعب المصرى غالبيته كما قلت لا يجد سوى ماسبيرو عبر التلفزيون و الاذاعة ، بالكاد بعض القنوات الدينية و الدعاة الدينيين الذين يحسن استخدام بعضهم لخدمة النظام عن دراية او عدم دراية .
وقت ان يتوفر للشعب المصرى التعليم الجيد و فرصة متابعة الرأى و الرأى الاخر ، تعلم طريقة الانتقاد و الحوار ، ليستشف منها من الشاذ الذى يستخدم الفوضى فى كلامه للتغطية على الحقيقة التى يحاول التهرب منها ، وقتها قد تتضائل تلك النسبة لاقل اقل قدر ممكن و ان كانت لن تختفى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق