الاثنين، 11 أكتوبر 2010

التدين الظاهرى

التدين الظاهرى


لا شك فى ان مصر حاليا و المصريين يتمتعون بحياة و حالة دينية لعلها لم يكن لها سابقة منذ قرن من الزمان على الاقل ، فعدد المحجبات فى تزايد مستمر ، عدد المتدينين - على حسب قولهم - فى تزايد مستمر ، عدد الدعاة اصبح فى تزايد مستمر حتى ان البعض ليفخر بأنتماءه لهذا الشيخ او الداعية ، و اصبحت المظاهر الدينية اشهر عن ذى قبل ، اصبح الجميع يفخر حتى بأنه متدين ، على عكس السابق ، ظهرت اشكالا جديدة للتدين عصرية و تناسب المجتمع فى ثوبه الجديد غير الصورة القديمة التى يدعى فيها كل متدين بأنه شيخ و انه يرتدى جلبابا و فى يده سبحة .


لكن و بكل اسف تجد ان المعظم لم يدخل الدين حقا قلوبهم ، لم يستقى حلاوة الدين فى شىء ، بل ان البعض الاخر ممن دخل الدين فى قلوبهم قد استقوا منه ظواهره و قشوره ، اهتموا فقط عن كيف يكونوا اعلم الناس فى امور لا اعتقد انها تهم الكثيرين منا ، اصبحوا متبنيين لأفكار لا دخل لصلب و جوهو و اساس الدين منها فى شىء ، كلها تمثل فقط محاولات و اراء علق عليها بعض الاشخاص فيما بعد برأيهم عما ظنوا وقتها انه يناسب زمانهم ، قد يكون الاصوب لبنى جيلهم .


بين كل هذا و تجد البعض للاسف مهتم بالظواهر ، المهم هو المظهر ، المهم هو المشهد العام ، المهم ان يقال عنك انك متدين ، كأن تلك الشهادة ستشهد له عند الخالق عز و جل بأنه متدين و يستحق دخول الجنة ان لم يكن ايضا وسط الابرار و الصالحين و الانبياء ، المهم ان تعارض اى رأى مهما بدى تقليديا ، مهما بدى معقولا ، تحت ساتر من الاراء القديمة فى بعض – و ليس كل – كتب الفكر الاسلامية ، او رأى لاحد الشيوخ الذى كما ذكرت يفخر و بشدة البعض انه يستمع له وحده و ان رأيه دائما على صواب ، ان غيره دائما على خطأ .


تجد البعض يدعون تدينهم فقط لانهم يشترون كتبا تقليدية من التى تباع على ارصفة الطرق بقليل من الجنيهات ، بها بعض المواعظ و العبر عن حياة القبور، او علامات الساعة !!


و كأن مثل تلك الكتب سيبنى عليها عمل ما ، و كأن لذلك دخلا فى عمل الانسان فى الدنيا ، لا يكاد البعض يتصور ان ذلك ما هو الا نتيجة فقط لما يفعل فى الدنيا ، هل جرب بعض هؤلاء ان يشتروا كتبا تتحدث عن العقيدة ، او مثلا تتحدث عن الفقة ، او مثلا عن الاخلاق و فضائل الاعمال ، او حتى على الاقل كتبا فى تاريخ الدين ، سيرة النبى و الصحابة لعلهم يتعلمون منها شىء ؟


ابدا ، فكل عمل يمكنهم الحصول عليه من فتوى من احد هؤلاء الشيوخ الذين يثقون فى رأيهم ، كل خلق هو سلوك مكتسب من تعصبهم للدين و استماتتهم فى الدفاع عن رأيهم الذى لا حق غيره ، يتم تفسير و تعريف ذلك لديهم بأنه غيرة و دفاع عن الدين . و كأن الدين سينهض و سيتم تحرير اراضى المسلمين عن طريق مثل تلك الرؤى و الافكار التى لا شك فيه هى اصلا مشكوك فيها ، لان اى رأى ليس من الكتاب او السنة ، هو رأى شخصى من حق اى فرد ان يختلف معه ان وجد الحجة المقنعة ، بل ان بعض الاشياء التى كانت تصلح و تستعمل فى وقت النبى الكريم ، تم تغييرها و تطويرها فى عهد الصحابة بأصل فى الدين ، و ما كان يتم فى عهد المؤمن الاقوى الاشجع ابى بكر الصديق ، احيانا يتغير فى عهد الرائع عمر بن الخطاب ، على الرغم من كونهم اغلى الاصدقاء ، رفيقا الرفقاء ، اكثر من تعلم من النبى الكريم . اليس هذا اكبر دليل على حق الاختلاف طالما لا اصل له فى الكتاب و لم يشدد عليه النبى فى الحديث ، طالما تتوافر الحجة و المصلحة للمسلمين المقنعة ؟


ابدا ، بعضنا انشغل بظواهر الدين ، تغيير نغمة الموبايل الى نغمة دينية او دعاء او اية كريمة او نشيد دينى او انشاد دينى . كنت اجلس مرة فى المسجد وكان الشيخ يلقى خطبة جيدة بها حكمة و موعظة كعادة خطب الجمعة المعتادة ، يجلس بجوارى رجل تصورته فى البداية متدينا ، حتى حدث ما جعلنى اغير رأيى عنه ، فبينما الرجل يسمع و يتعجب و يتسامى مع الخطبة و يعيش حالة من الاتقاد الروحى و العقلى مع الخطبة ، يصدق على كل جملة للامام ، اذ فجأة بنغمة " انك لا تهدى من احببت و الله يهدى من يشاء " تخرج من جانبى و لا اعلم مصدرها ، ثم اذ بالرجل يخرج الموبايل و يغلق عليها ، رغم انى انزعج من الاشخاص الذين لا يغلقون هواتفهم وقت الصلاة او داخل المسجد ، انه لم يغلقه امامى بعد تلك المرة ، الا ان رصيد الدقائق الماضية شفع للرجل عندى ، ثم اذ بمرة اخرى الهاتف يعلن نفس النغمة الدينية ، لكن هذه المرة قام الرجل بفتح الاتصال و اخذ يتحدث و يعزم على شخص بقلب حديد ، انه سيلقاه بعد الصلاة !!


هذا الرجل الذى يبدو لك لوهلة انه متدين حقا ، فقد جاء مبكرا للمسجد ، يسمع حقا و ينصت للامام ، يتفاعل معه و بشدة ، يجعل من نغمة هاتفه نغمة دينية ، الا ان كل هذا تدين ظاهرى لارضاء الناس و كسب ثقتهم ، فالخطبة عنده اقل اهمية و اهتمام من حديث صديق اتصل به بالامس و اتفقا ان يلاقيه بعد الصلاة ، كنت اتمنى وقتها لو كنت اعلم رقم الرجل ، اجرب لاحقا فى اى موعد للصلاة ان اتصل به لارى هل سيجيب الهاتف داخل الصلاة ام لا .


ثم تجد مظهر اخر للتدين الظاهرى ، ففى رمضان و مع قدوم هذا الشهر الكريم و كثرة الثواب و المنح الالاهية فيه ، تجد احوال الناس تتغير تماما ، فالكل منكب على المصاحف و الايات القرأنية ، تنشط البرامج الدينية على القنوات الفضائية ، كله وسيلة لجمع اكبر قدر ممكن من الثواب و الخيرات فى رمضان ، لا ضير فى ذلك ، غير ان تجد ممنوعات كثيرة انضافت على الشهر الكريم و الصيام ، مثل يمنع فتح البريد الاليكترونى فى رمضان عند بعض منا لمنع تكرار بعض المحادثات الغير هادفة عليه بين شباب و بنات ، بعض الشباب لا يفضل النزول لبعض الاماكن التى تعود على ان ينزل لها قبل الشهر الكريم ، ليس بداعى انشغاله بقراءة القرأن ، لكن لما كان يحدث فى تلك الاماكن مما يتعذر و الصيام فى الشهر الكريم ، البعض يمتنع عن بعض الاشياء التى كان يسىء استخدامها و بعض الحريات التى افسدها فى غير الشهر الكريم .


طالما هو يعلم جيدا و بشدة عدم جدوى تلك الاشياء ، انها لا تصح و لا يمكن ان يتم افتعالها بدم بارد ، لم لا يمتنع طوال العام ؟ هل رمضان هو شهر المحرمات مثلا ، بحيث تكون هذه الاشياء حلالا طيبا فى باقى السنة ، حراما قبيحا فى رمضان ؟ طبعا لا ، فالكل يعلم ان رمضان منبع للخير و الحسنات دونا عن السنة كلها ، هل تلونه و نفاقه طوال العام و دفاعه عما يفعل بأنه لا ضرر منه و بعض المعاذير الاخرى التى تطيل و لا ترجح رأيه ، كل ذلك يذوب فى رمضان و لا ينطبق عليه ؟ من تنافقون يا متدينون ؟


هذا الى جانب مظهر اخر من مظاهر التدين ايضا قد يحدث فى رمضان او بعد رمضان او فى اى وقت من السنة ، هو العمرة او الاعتمار .. فلا شك اطلاقا ان العمرة هى بديل عن الحج فى ظل الظروف الحالية ، حيث ان البعض لا يقدر على ان يزاول فريضة الحج ، حتى ان اراد فعليه الانتظار طويلا ، لان الاماكن محدودة بسبب كثرة الوفود ، هذا الى جانب ارتفاع اسعار الحج بلاشك ، و بالتالى يلجأ الناس للحج و بخاصة خلال العشر الاواخر من رمضان ، لكم يحب المصريون و يقدسون تلك العمرة و بشدة حيث ان الحجاج من مصر هم فقط سبعون الف حاج بينما المعتمرون فى رمضان هم نصف المليون معظمهم يتكررون كل عام ، و لكن هذا ليس ما يهمنا فى الامر ، المهم هو ان هل جميع من يخرج للعمرة يكون الغرض الاساسى هو الاعتمار حقا ؟ انا عندى شكوك كثيرة فى حقيقة ذلك .. اعتقد ان البعض – لا الكل – يزاول العمرة فقط من اجل ان يلقب بلقب " حاج " ، لا مانع من طلاء واجهة المنزل و اضافة بعض العبارات امثال " حج مبرور " ، لا مانع من ان يتباهى بل و يشير احيانا للناس بقصر الشعر بحجة انه عائد من عمرة ، امثال هؤلاء لا يخلو منهم من يتقاضى الرشوة تحت مسمى " الحلاوة يا بيه " ، و ان لم يفعلها مع العملاء فيفعلها مع زملائه و رؤساءه بالعمل عبر النفاق و التغاضى عن المخالفات الفجة . محامون يدافعون عن مفسدين و تجار مخدرات ، راقصات و ممثلات الادوار القبيحة ، كل هؤلاء و اكثر يعودون بقناع التدين ، يعودون بلقب الحاج ، يعودون بالشعر القصير ، يعودون بالسبحة و العباءة ، كل هذا من اجل دفن فسادهم ، من اجل العمل بأسم الدين و استرضاء كل من يثق بلقب حاج .


فى يوم ذهبت للصلاة ايضا ، فوجئت كما فوجىء الجميع بعد دقيقة من صوت الامام ان الصوت اختفى فقلنا لعل الامام فى استراحة حيث لم يبدأ ، لكن ما حدث هو انقطاع الكهرباء مما افقد الميكروفون عمله ، غاب الصوت الذى كان يخرج منه فاقتصرت الخطبة على الصفوف الامامية التى تتمكن من سماع الامام ، اما عن باقى الصفوف ، فالكل ينظر لوجوه الاشخاص التى حوله و كأنه يبحث عن اللحمة فى طبق الطبيخ ، شعور بالملل اجتاح الجميع لغياب الصوت ، اختلط بشعور بالحزن و الاسى لفقد الخطبة و ما كان سيتحث عنه الامام ، و بالتالى البعض انشغل بالتسبيح و الاستغفار ، الباقى بمطالعة وجوه الناس . المهم ان الصوت لم يعد مع اقامة الصلاة بعد ان اطال الامام الخطبة قدر الامكان حتى تعود الكهرباء و يعمل الميكروفون فنتمكن من الصلاة فى جماعة .


هذا لا يشغلنى حقا ، لكن ما يشغلنى هو سبب انقطاع الكهرباء و بالتحديد فى هذا الوقت ، انقطاع الكهرباء فى مصر لا يتم الا لسببين : تخفيف الحمل ، انقطاع لعطل . فان كان السبب هو الاول فلم بهذا الوقت بالذات ، الا يوجد تعظيم و تقديس لصلاة الجمعة على الاقل ؟ و لكن ان كان السبب الثانى – و هو ما اعتقده – فالحاصل ان العطل تم مع بداية الصلاة حيث كان المسؤول عن الصيانة موجودا فى المسجد ، اى مسجد ، فحتى و ان عرف بالمشكلة ، ستجده يقول : لا ، الصلاة اولا ثم العمل !! المشكلة هى حرص ظاهرى - قد يكون مؤمن به حقا - على الصلاة و الاستماع الى الخطبة ، فهى اهم من العمل من وجهة نظره ، ثم يمكن قضاء العمل فى وقت اخر بعد انقضاء الصلاة . عندنا التصور الحاصل بأن الله لن يبارك فى العمل مادامت الصلاة قائمة .


نحن هنا نتحدث عن عمل يدير مصالح الالاف من الناس ، ليس فرد او اثنين حتى يكون شريطة الحديث و يصبح التطبيق صحيحا ، نحن لا نتكلم عن تجارة ، او صناعة شىء يمكن تأجيله لحين انقضاء الصلاة . نحن نتحدث عن ادارة قطاع واسع من شأنه ان يعطل مصالح الالاف ، من بينها المساجد التى يقدسها و المصليين الذين يريدون الاستمع للخطبة شأنهم شأنه . فهل استماعه لتلك الخطبة بالذات هو ما سيساهم مثلا فى دفع الامة نحو المستقبل ؟ هل هى من ستحرر العراق او فلسطين ؟ ابدا مجرد خطبة قد ينسى محتواها بمجرد الخروج من المسجد ، ثم هل من الافضل ان يقبل الله ثواب خطبته على حساب ضياع ثواب الالاف الاخرين ام من الافضل ان يقبل ثواب الالاف و ليس مهما ثواب فرد مفرد ؟ الن يكون ثواب هؤلاء فى ميزان حسناته ايضا لانه كان السبب فى موعظتهم ؟


مجرد تدين ظاهرى ، تعصب دينى فقط ، الغرض منه شراء رضاء الله و تقبله للثواب ، الغرض منه نفاق الناس كتبة الملائكة ، اسئل اى منهم عما حققه حتى الان للامة من نهضة ، اسئل اى منهم عما ساهم فيه من اجل اعلاء كلمة الاسلام فى الغرب ، اسئل اى منهم عما قدمه لمساعدة اخوانه الذين يخسرون دينهم و دنياهم كل يوم فى الاراضى المجاورة ، اسئل اى منهم عن عدد من خسرهم و خسر احترامهم ، كم كسب منهم ، اسئل اى منهم متى كان مثالا حسنا للاسلام و المسلمين . لا يصيبك التفاجؤ و الاندهاش ان علمت ان معظمهم اصلا و ان كان يخاطبك بأسم الدين ، الا انه جاهل بالدين و بجوهره و احكامه ، سببا فى تعصب الناس ضد المتدينين .

دعنى اعود لاكرر ، هذا ليس نقد او هجوم على المتدينين ، ليس المقصود منه كل المتدينين ، لكن المقصود منه هو بعض او قلة - حسب رأيك - منهم ، ممن يأخذون الدين عباءة تخفى جوهرهم الحقيقى ، يدخلون وسط المتدينين الحقيقيين ليسيأوا لهم و لعملهم الصالح ، يكونون مظهر خارجى فقط دون عمل ، مما يؤثر على صورة الدين التى نفخر بها دائما و بتاريخنا الاسلامى العامر بالشرف و الفخر .



الخميس، 7 أكتوبر 2010

وقفة مصرية

وقفة مصرية




1 مشهدخارجى فى ارض زراعية واسعة ..

رجل متوسط الحال يقف مرتديا قميص و بنطلون فى وسط الارض الزراعية ..

صوت الرجل و هو يقول : نفسى فى رعاية احسن ، نفسى اتعالج كويس ، نفسى الاقى سرير بسهولة ، نفسى الاقى العلاج اسهل من كده .

صوت خلفى يعلن : علشان كل ده يحصل ، لازم تدخل مستشفى خاص و ابعد عن المستشفى الحكومى .

( اصحاب المستشفيات الخاصة يؤيدون القرار الرشيد بحملة وقفة مصرية )





2 مشهد خارجى فى مكان واسع مزدحم بالطلاب يجرون و يجرون حقائب مدرسية ثقيلة خلفهم فى فناء المدرسة ..

رجل متوسط الحال ايضا يقف بقميص و بنطلون فى وسط الفناء المدرسى ..

صوت الرجل و هو يقول : نفسى اولادى يتعلموا كويس ، نفسى يتعلموا يقرأوا و يكتبوا فى مكان يسعهم ، نفسى يفهموا كويس .

صوت خلفى يعلن : علشان كل ده يحصل ، لازم تديهم دروس خصوصية و متوجعش قلبنا .

( المدرسون الخصوصيون يؤيدون حملة وقفة مصرية )





3 ارض زراعية واسعة جدا ، مزروعة و مملؤة بالخضرة هذه المرة ..

فلاح بسيط هذه المرة يقف فى وسط الشاشة و من خلفه الارض الزراعية ، يكتسى بجلباب يناسب المكان ..

صوت الفلاح يقول : نفسى اعرف ازرع كويس ، الاقى سماد و مخصبات بسهولة ، زرعى و خيرى يكفى اولادى .

صوت خلفى يعلن : علشان كل ده و اكتر ، اعرف لك تاجر او مهندس زراعى من اللى بيشتغلوا فى السوق السودا .

( تجار السوق السودا يؤيدون حملة وقفة مصرية )





4 مكان مزدحم ، طوابر كبيرة و كثيرة ، يبدوا انها مشاجرة على العيش ..

احدهم يخرج مطوة و يغز الزبون اللى واقف قدامه علشان يوصل اسرع ..

صوت الرجل يقول : نفسى اعرف اروح اخد العيش من غير ما اضطر انى اغز حد .

صوت خلفى يعلن : اشترى عيش من الفرن الخصوصى اللى قدامه ، او من اللى متهرب دقيقه .

( مفتشو التموين على الافران يؤيدون حملة وقفة مصرية )





5 مشهد داخلى فى منزل متواضع و اسرة من سبع افراد ملتفة حول التلفزيون ، كل منهم يريد ان يشاهد قناة معينة ..

احدهم يخطف الريموت كونترول ، يلوح فى وجه الجميع ..

صوت ابيه يقول : نفسى نخلص من المشاكل دى ، نعرف نتفرج براحتنا .

صوت خلفى يعلن : طب و ايه اللى كان يجبرك على كده ، اشترى تلفزيونين تانيين جنب الاولانى .

( اصحاب المحلات الكهربائية يؤيدون حملة وقفة مصرية )





6 شارع طويل ممتد ، السيارات تقف مكانها ، الكل يصدر كلاكس من السيارة يدل على ملله و كثرة التوقف ..

احد الركاب ينفخ بصوت عالى ، زوجته تمسح جبينها بمنديل ورقى فى يديها ، الاطفال فى الخلف يتشاجرون ..

صوت الراكب يقول : نفسى اعرف امشى طوالى ، تبقى سكتى خضرة كده على طول من غير اشارت و زحمة .

صوت خلفى يعلن : الزحمة الكتير و موكب المسؤول مش المفروض يعطلك ، اغمس العسكرى بتاع المرور بعشرة جنيه ، عدى ، ده غلبان .

( عساكر المرور يؤيدون حملة وقفة مصرية )





7 رجل بجلباب بسيط يجلس على القهوة مغمض العينين ، متكأ على يديه ، يبدو و كأنه نائما ...

احد الموجودين على القهوة ، يوجه الحديث اليه قائلا : شكلك مش عارف تنام و لا ايه ؟

الرجل : و لا حاجة ، معرفتش انام فى بيتنا من الدوشة بتاع العيال .

صوت خلفى يقول : لو العيال كتير و مش عارف تنام منهم ، متأجر اوضة فى اى حتة علشان تنام .

( اصحاب الفنادق يؤيدون حملة وقفة مصرية )







فى ذكرى اكتوبر

فى ذكرى اكتوبر



نحتفل كل عام و نحتفى بذكرى غالية و عزيزة على قلب كل مصرى هى حرب اكتوبر المجيدة ، تزرع الثقة و الافتخار فى كل نفس مصرية ، مجرد رؤية المشاهد التى توجد مع كل لقطة و كل حركة يكاد يقشعر بدنك من روعة المنظر ، الحركات المنظمة القوية المفاجأة التى اصابت العدو بصمت الموقف ، رعشة البدن ، شلل الحراك ، دفعته للانحناء و قبول الهزيمة على عكس الاداعائات التى اثارها و لا يزال يثيرها حتى الان ، حسب ما يروى فان كل ما يروى و نراه على التلفزيون لا يتعدى نصف الحقيقة ، يكاد لا يصل لها حقا ، لكن بالرغم من ذلك نحن نحب و نقدر كل عمل يقدم على التلفزيون فى محاولة لتجسيد المشهد مرة اخرى ، فى محاولة لاعادة رسم الصورة امام الجيل الجديد – ابناء جيلى – ممن لم يعاصرون التجربة و لم يتمتعوا بها حق التمتع .

و للحق فان التجربة تكاد تجذب الجميع حولها ، يكاد الا يختلف عليها احد ، بانها كانت تجربة رائعة عظيمة اثبتت و حتى الان ان الجيش المصرى قادر على قهر اى شىء و انه مستعد لاى شىء ، يكفى ان تسأل اى من الجنود الابرار الذين يعرفون قيمة هذا الوطن و يبرونه ، ان كان وطنهم لا يبرهم حق البر ، يكفى ان تسألهم عن حقيقة ذلك فيخبرك انه كان مستعد لان يفعل اى شىء فى سبيل الوطن ، حتى التضحية بأغلى ما يملك ، حتى حياته ، لكنك مع ذلك تجد عيناه تكاد تلمع و تتقد بعدها و يقول لك ان ذلك لا يمثل اى شىء الى جانب ما فعله رفاقه فى الكفاح الطويل و الدرب الاصعب فى حياتهم جميعا ، بغض النظر عما حدث بعد الحرب و ما االت اليه ، فان ما حدث يكفى ليثبت لنا عزتنا و كبريائنا ، ما نحن قادرين على فعله وقت اللزوم .


و لكن اغلب جيلى قد و اشك انه يعلم الكثير عن تلك الحرب ، فذكرياتنا كلها عن الحرب عبارة عن اجتهادات و محاولات و تجارب لم تكلل بالنجاح بنسبة كبيرة حاول السينمائيون ان يقدموها فى افلامهم ، لكن يكفى انهم حاولوا و فتحوا لنا الباب لكى نطلع بعد ذلك من حيث نريد ان نقرأ عن تلك الحرب المدهشة و ما حدث بها ، ما الظروف التى كانت تجرى وقتها حول الحرب و ما قبلها و بعدها ، لكن هناك مشاهد كثيرة و قصص و روايات اكثر خرجت مشوهة على الشاشة كانت كفيلة بتحويل الفيلم الوطنى القومى الحربى الى فيلم كوميدى هزلى طفولى ، فمن ضحك ممن لديه عيون ثاقبة و قوة ملاحظة ، اعتقد كان اكثر ممن نظر لجوهر الموضوع و عظمته و فائدته ، فالمشاهد و القصص جائت غريبة و تكاد لا تصدقها فى معظم الوقت ، و على سبيل المثال :



- مشاهد الرصاصة لا تزال فى جيبى ، رغم انها اول تصوير على الجبهة و عن الحرب بعد الحرب مباشرة ، كانت معظم لقطاتها مادة سينمائية بعد ذلك فى الافلام التى تعد عن الحرب ، الا ان الفيلم لم يخلو من بعض المشاهد التى تدعو للاندهاش ، مثل الفنان محمود يس الرائد الذى يزاول الحرب كلها بساعة الكاسيو- او شبيهة بها- التى كانت على الموضة ايامها ، يجب ان تلمع الساعة فى كل مشهد و هى معلقة على اكمام القميص المكوى جيدا و حتى اخر الحرب ، حتى يعود لبلده و يقابل حبيبته . بل ان الممثل الرائع الاخر حسين فهمى ظل على اناقته طوال الفيلم – و لعل وسامته هى التى ساعدته على ذلك - ، لكن ان يظل شعره مكوى و متسرح جدا و جيدا طوال الفيلم ، لاحظ حجم الفرقة التى كان يشغلها و طول شعره الذى لا يتناسب اطلاقا مع الجيش و الرتبة . هذا غير المشهد الذى يتكرر دائما طوال الفيلم ، صورة الجندى المصرى الذى يهجم على الدبابة كأنها سيارة نصف نقل و يطرق الابواب من اعلى على الجندى الاسرائيلى الذى يفتح له غطاء الحلة ، الذى هو باب الدبابة ، يقاجأه الجندى بالقاء شىء ما داخل الدبابة تبدو و كأنها زمزامية الماء ، ليحدث الانفجار بمنتهى السهولة .... هذا فى نفس الوقت الذى كان فيه الجنود يفخرون فى الحقيقة بأنهم شاركوا فى تفجير دبابة ، منهم من مات تحت الدبابة فى محاولة لتفجيرها .


- مشاهد و حنكة السناريو فى فيلم اعدام ميت ايضا قد تختلف و لكن لا تقل اهتماما عن الباقى ايضا ، حيث ترى الضابط المصرى المحترم و المتدين فى بداية الفيلم ، هو عز الدين ، يغرق فى الملذات و النعم بعد ذلك فى الفيلم ، فهو و رغم تدينة مسموح له بتقبيل نصف الفتيات التى يراهن طوال مهمته ، مسموح له ايضا بما هو اكثر من ذلك ، مع ان الحقيقة تحمل فى طياتها ان اول و اهم ما يتم التنبيه عليه فى اى عملية مماثلة هو عدم الاختلاط ، عدم الدخول فى علاقات من شأنها ان تكشف الهوية و الانطباع و الاسرار ، قد يتسبب اقل حركة فيها الى اثارة الشكوك . ان مثل هذا الفيلم جعلنا كلنا نتمنى ان نصبح ضباط مخابرات ، ليس لخدمة البلاد ، لكن لنتمتع بما تمتع به الضابط عز الدين اثناء المهمة .


- فيلم الطريق الى ايلات هو الاخر ، بغض النظر انه يختلف عما حدث فى الواقع ، و انه يكاد يغاير السيناريو و الخطة الموضوعة ، الا ان التعامل فى بعد المشاهد قد يبدو ايضا مختلفا ، يبدو مغاير لمعايير العقل ، ففى المشهد الذى يتناول فيه الممثل الرائع جدا فى هذا الفيلم نبيل الحلفاوى ، ما نعرفه نحن بصباع الطباشير الذى هو المادة المتفجرة فى الفيلم ، و يتعامل معه بمنتهى الحذر خوفا من ان ينفجر وقت توسيعه ، الا انه يتعامل معه بمنتهى الاستخفاف و الاهمال عند تركيبه ، بوضع الموقد ثم القاءه بعدم اهتمام فيما يشبه غطاء الحلة ، لا يخشى ان ينفجر . ايضا التعامل احيانا مع التقدم و الانسحاب بمنتهى الاستخفاف و امام مرأى العدو و امام اعينه شىء يحتاج قليلا من الحنكة .


- ثم جاء الجيل الجديد ليزيد الطين غرسا و اغراقا ، حيث قدم فيلم عيال فى صورة فيلم حربى هو يوم الكرامة ، الذى استعان ببعض الممثلين اللامعى شعر الرأس ، الذى تضفى بعض الوسامة عليهم منظر راقصين ايطاليين فى احد الكازينوهات ، ليس منظر جنود بحرية ، الالتزام و الصلابة و الجلد هو عرفهم الاصيل . ان الممثلين الذين تناوبوا الاداء فى هذا الفيلم كمن لا يزال لم يصحو من نومه بعد ، لم يكن هدف اى منهم تقديم فيلم يمجد تاريخنا العسكرى ، لكن كان الهدف هو اعطاء رسالة انهم يقدمون مثل تلك الافلام و انهم همهم الوطنية و الانتماء على عكس ما نقرأ فى الجرائد عن فنهم الهزيل ، تشويه صورة مصر .




القائمة تطول ، لكن ما استطيع ان اقوله هنا ان كل من شارك فى صنع فيلم عن تلك الظروف وما حولها لهو فعلا يستحق الشكر على الاقل ، لانه قدم لنا صورة فى الوقت الذى غابت فيه الصورة ، لانه حاول ان يقدم معنى جديد يكاد يقترب و ان كان لا يستطيع بأى حال من الاحوال لصعوبة اختزال كل تلك الاحداث المشرفة فى ساعة او ساعتين ، لانه حاول ان يصور و يقدم ، لكن نحن نلزم عليهم ان المحاولة لم تكن بقصارى الجهد ، لم تكن بافضل الوسائل ، لم تكن ممولة بأموال تتناسب مع العمل ، يبدو انهم تعاملوا مع مثلية تلك الافلام انها افلام اليوم الواحد ، ستعرض ليوم واحد فى السنة ، فلا داعى للقلق .


للاسف جيلنا استقى معلوماته من تلك الافلام ، يتذكر مشهد القبض على القائد الاسرائيلى محى اسماعيل ، ضابط المخابرات الاسرائيلى الطخين ابو جودة ، مشاهد البارات ، العشش ، توسيع اصبع الطباشير ثم الاشارة بثلاثة اصابع اليد لتعطى علامة انتهاء و كمال المهمة ، صورة مادلين طبر و هى تغرى الجنود الاسرائليين ، ان الذى اعطى الاوامر لاطلاق الضربة هو حسين فهمى . طبعا هذا ليس ذنبهم وحدهم ، لكن يتحملون المسؤلية لعدم السؤال ، لعدم البحث ، لعدم الانصات للاحاديث الحوارية التى تتحدث عن المشهد العظيم .


اعود اخيرا بكلمة شكر لكل من ساهم او شارك او اجتهد فى هذا المشهد العريق الذى سيتوقف عنده التاريخ طويلا ، ليطلع العالم على قصة كفاح عظيمة قادها شعب عظيم ، على ارض مصرية ، بجهد و عرق و دماء مصرية فى محاولة لتغيير التاريخ و عدم تقبل الامر بسهولة ، استرداد الحق ، تكريم المصرى فى مشهد قلما نشاهده الان فى التاريخ المعاصر .




الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

قرارات التصفية



قرارات التصفية



مما لا شك فيه - و لكم اكره ان ابدأ مقالاتى بمثل هذه الجملة و لكنى اعتقد انها ستكون اقل مما هو ات – ان بلدنا المصون سيمر فى الايام القليلة القادمة فى ممرات صعبة ، مسيرة طويلة مرهقة متعبة ، تبدأ غالبا بضرب الاقدام فى الارض و بشدة و عنف فى محاولة للثبات على الارض قبل الانطلاق ، لكن ما اخشاه هو من يتولى مسؤلية الدبدبة ، ما غرضه من الدبدبة ، هل بحق تثبيت الاقدام ، ام ازاحة من يظنهم من وجهة نظره سيعيقون المسيرة الجليلة لحضرته .


البلاد تستعد لحملة الانتخابات القادمة لمجلس الشعب ، العيون تترقب ، بخاصة الدولية منها ، الكل يرقب و يترقب ، ينتظر ليرى ان كانت الانتخابات ستتم على سابقتها ام لا ، هل التزوير الذى وصل حتى صناديق اقتراع الاندية سيستمر على صناديق الانتخاب ، و هل سيتم حقا تصفية الجميع فى محاولة لضمان الانتخابات الرئاسية القادمة ، التصريحات تؤكد ، الافعال تؤكد ، المسؤلون ينفون ، فمن نصدق ؟


كما قلت الهدف هو التصفية لكل صوت حر سيطالب بنزاهة الانتخابات ، الانتخابات ستتم على طريقة حزب وطنى مكتسح ، معارضة متواطئة ، مستقلون كما يدعون سرعان ما ينضمون للحزب الوطنى بعد النجاح بأيام ، حيث استغلوا صوت انهم مستقلون و غير منتمين لاى حزب سياسى كى يكسبون ثقة الناس ، ثم كانوا اول من يلعق الاقدام وراء الانضمام للطابور ، هو يعلم جيدا انه سيرتاع فيها دون محاسبة ان نجح فى الانضمام ، رفع عن نفسه العيون .


لا تتعجب ان رأيت نواب مجلس شعب يتحصلون على قرارات علاج على نفقة الدولة بملايين ، لا تتعجب ان رأيت نواب مجلس شعب يرتشون من اجل تعيين بعض الناس الذين لا يستحقون فى وظائف لا تتشرف انها تطلب شهاداتهم ، لا تتعجب ان رأيت موظفا يعين بشهادات وسطى و ضعيفة فى كراسى وزارة المالية حيث المرتب الرغد و الحوافز الاعلى ، لا تتعجب ان رأيت احدهم يتولى ترقية لا يستحقها بتوصية من نائب مجلس شعب ، لا تتعجب ، فالعيب ليس فيهم و لكن فيمن عينهم .


لا تتعجب ان رأيت وزيرا يخوض الانتخابات ، لا تتعجب لو رأيت اخر لا يعبأ بالدعاية – و الكلام الفاضى ده من وجهة نظره - ، طبعا ليس السبب هو ثقته فى الناس و انهم يحبونه و لا يحتاجون من يهمس فى اذانهم بأسم سيادته الفخم العظيم ، لكن لثقته التامة ان هناك من سيتولى مهمة تثبيته بدون هم وغم ، بدون بذل جهد او عرق ، بدون ان يعد الناس بملا لا ينفذه مستقبلا كما اعتادنا ، لا يحتاج الى اغداق المال على الشعب لضمان الاصوات ، طالما يمكنه ان يغدقها فى المكان المناسب و بسعر اقل بكثير .


و فى سبيل ذلك لابد من تصفية كل من يتدخل او يشكك فى نزاهة الانتخابات ، فهم اول من لمح ، اول من ذكر بالاحداث المؤسفة السابقة ، التى كانت فى اعقاب الانتخابات الماضية ، و بالتالى لابد من اسكاتهم جميعا ، لو اضطر الامر اجلاسهم جميعا فى منازلهم ، فالطريقة القديمة التى تنص على القبض عليهم لم تعد تجدى ، حيث زادتهم شهرة و ثقة بين الناس ، فالان التجاهل و الزامهم منازلهم فى اقامة جبرية ، عبر منعهم من المنابر الاعلامية التى كانوا يتولونها ، هو الوسيلة الافضل .


قد تكون فوجأت بقرار توقف برنامج القاهرة اليوم ، لكن المقصود طبعا كما تدرى اسكات الصحفى عمرو اديب ، رغم – و بالمصادفة – قربه و بشده من السلطة ، لا يستطيع احد ان ينكر ذلك بما فى ذلك الاستاذ عمرو نفسه ، لكن صوته الطاعن و بشده فى الانتخابات ، من يتولى المسؤلية و الاشراف عليها ، جعل منه اضحية ، يأتى ذلك مع قرار اقالة الصحفى الاخر ، هو الاستاذ ابراهيم عيسى من تقديم برنامجه على قناة رجل الاعمال نجيب ساويرس عقب حلقته المثيرة التى تناول فيها غياب العدالة الاجتماعية و تملك بعض الوزراء لبعض المصالح من وراء الخصخصة ، ثم اقالته من جريدة الدستور التى انشأها ، ذلك بعد شهرين من تولى رجل الاعمال الاخر الدكتور السيد البدوى لرئاسة مجلس ادارتها .


رجال اعمال يخدمون السلطة بأموالهم و هم على دراية كاملة ان السلطة ستزيدنهم من خيراتها ، فى جنة كبيرة عرضها كعرض السماوات و الارض ، الامر لا يحتاج الا الى التضحية بالقليل مقدما ، مقابل تسهيلات و فوز عظيم فى النهاية ، الكل يخرج امامك على شاشات التلفزيون ليدعى انه من اهل الحريات ، انه من اصحاب الفكر ، بينما هو فى الواقع ممن يتلقى الفكر و القرار ، و بالتالى فان فاقد الشىء لا يعطيه ، ان كنت لا تذكر اشكال النفاق القديم عهده للسلطة ، تواطىء الحزب الذى يدعى المعارضة ، امور مساعدة التى يتلقاها بعض رجال الاعمال تسهيلا و تيسيرا ، ليس من اجل نهضة الاقتصاد ، لكن لتسيير المراكب السائرة .


لا تتعجب او يصيبك التفاجؤ ، فكل شىء متوقع ، الامور تسير على وتيره صناع القرار غير عابئيين بتعجب حضرتك اصلا ، لانه يبدو لهم انهم يدرون بمصلحتنا اكثر منا كما يحاولون الاظهار فى تصريحاتهم ، او مصلحتهم فى بلادهم التى انت لست جزءا منها من وجهة نظرهم ، يكفيك ان تشكرهم ان قرارات التصفية التى اتخذوها كانت اكثر رحمة بكثير من قرار التصفية الذى قام به مايكل كورليونى فى روايه الاب الروحى ، الذى قدمه على الشاشة الممثل القدير ال باتشينو .




السبت، 2 أكتوبر 2010

الحب و البهائمية

الحب و البهائمية


يمييل البعض لتصنيف الحب على انه الانجذاب لطرف اخر ، تقبله ، تقبل كل ما فيه من مزايا و عيوب ، فضائل و رذائل ، سمات و ضرائر ، قد نجد الغرب يعرف الحب على انه شهوة ، نجد للاسف بعضنا يتقبل التعريف و يقبله و يسلم به و يؤمن به ، يسير مرددا له فى كل فيلم ، او برنامج تليفزيونى ، او فى دار للملذات و الانحرافات مثل الملاهى الليلية ، بل و قد تجد البعض متبنى الفكرة و جعل منها جزء من شخصيته فيرددها فى كل مكان .


قديما قال فرويد ان الحب هدفه الاول هو الجنس ، ان الاثنين هما نفس الشىء ، نفس الينبوع ... و نحن لا نرى ذلك اطلاقا ، فكيف نتصور المرأة على انها هذا المثال ؟ّ! و كيف ننظر لانفسنا على تلك الطبيعة البهائمية ؟ ، و كيف ننظر للحب من ذلك المنظور على انه اشباع للشهوات ؟! و لكن للاسف فان هناك من يتبنى الفكرة و يؤمن بها ، بكل اسف على صعيد الجنسين ، حتى المرأة حطت من نفسها و قدرها و تبنت الفكرة تحت طابع التحرر و الحرية .


و نحن لا نطلب من هؤلاء الا تعريفا و تفسيرا للمرأة الفاضلة .... نريد منهم ان يخبرونا عن صفاتها ، كيف تكون ، كيف تنشأ لتكون كذلك ، كيف ينظرون لها مع نظرتنا لها .


المرأة الفاضلة المعروفة للجميع هى من تزيد عن غيرها بالحب و الاحتكام للعقل و الاخلاق و الفضيلة ، لا المرأة التى تهوى لسحيق بيع الجسد ، الانزلاق للعبودية ، اشباع الشهوة على حساب كرامتها و كرامة شرفها ، هى التى تربط الحب بالعطاء و المسامحة ، لا بالاخذ و انتظار المقابل ، هى التى ترضى عقلها و ضميرها ، لا التى تسعى لارضاء و اشعال نيران رغبتها و شهوتها و شهوة الاخرين .


و انا لا الوم هؤلاء بقدر ما الوم من هو مسؤول عن تربيتهم ، تعليمهم ، زرع الفضيلة فيهم منذ الصغر ، اعطائهم جرعة المعرفة عن اصناف و اشكال الحياة و مدى صحة و خطأ كل منها ، فالاب غالبا مسرور بما تفعله ابنته ، لديه هذا التعريف المخلوط و المغلوط عن التحرر ، فقد خلط فى فكره - غير متعمد او متعمد لاخفاء غياب سطوته على المنزل – بين التحرر ، التحلل و الانحلال ، الام غالبا مشغولة اما بمشاكلها او مشاكل لا تعنيها فى الاساس ، غالبا لن تجدها مشكلة فلسطين ، او غياب الوعى فى مجتمعنا ، او نقص فرص العمل ، او مشاكل اقتصادنا الناهض ، بل كلها مشكلات اقل بكثير من ان تعى عينها افراد اسرتها بالفحص و اعطاء النصيحة و نقل الخبرة و المتابعة .


و لدينا ايضا مؤسسة كبرى كالاعلام ، ما يشكله فى وعى الناس ، فهم يقدمون الحب على انه غريزة فقط ، انه مجموعة من الرقصات و التمايلات لفتيات الفيديوكليب و مجموعة من الموسيقى الشاذة التى تشبه مع تلك التمايلات ، تمايلات الوثنيين القدماء امام الهتهم ، فعبادة الجسد تفوقت على تعاليم الدين ، الزيف الذى يقدمونه اصبح يقدمه الاعلام على انه فلسفة ، حتى البرامج التى من المفترض ان تكون هادفة تجدها لا تخلو من مذيعة متكشفة تتخذ من التشويح فى وجه الضيوف منهج اعلامى ، و اعلانات تمتلىء بكل تسول بواسطة الاغراء و الشهوة و الجسد ، فما علاقة اعلان شيكولاته بفتتاتين تلبسان جونلة قصيرة فوق الركبة ، او اعلان بطاطس بملابس مكشوفة الصدر ، او اعلانات معطر بفوطة تكتفى بستر القليل و تظهر الكثير . لقد شوهوا الحب فى نظر الجميع ، فقدموه على انه طلب للشهوة ، عبادة للجسد .


لقد نسى هؤلاء ان الحب يدوم لسنوات ، بينما الشهوة تنسى بعد انقضائها ، نسوا ان الحب لا ملل منه و لا ضيق ، بينما الشهوة هى قائمة اساسا على الطمع ، و الطمع هدفه هو السعى نحو عدم الاشباع و التجديد و تغيير الحالى بما هو غيره ، فيسهل على العلاقة القائمة على الشهوة البحث عن جديد بل و يطلبها ، بينما يصعب على الحبيب ترك محبوبته و العكس ، بل يزداد الشوق مع انقضاء الايام ، مرور الساعات ، انقضاء الدقائق و اللحظات .


نسوا ان الحب بلا غرض ، بينما الشهوة هى الغرض ذاته ، ان ما يسبقها هو الدافع و الوسيلة ، نسوا ان الحب متجدد فى ذاته فلا يحتاج الى تجديد اللذة بمؤثر جديد ، بينما الشهوة منبعها الغريزة ، الغريزة تقوم اساسا على طلب الجديد و التجديد نتيجة الملل من تكرار الشىء ، فان اجبرت شخصا على تناول طعام يحبه جدا لسنوات ، لا طعام اخر غيره ، سيشعر بالملل و يرغب التجديد .


ثم انهم يطالعونا برأيهم ان الشهوة ، الغريزة و اتباعها تحرر ... و كيف يكون ذلك و الانسان اسير شهوته ، يفكر باعضائه لا عقله ، يهين عقله من اجل مزاجه ، يعيش مسجونا فى شهوته ، طبيعة اشباعها ، لذلك نجد شهوانيين يدفعون للشهوة ، اخرين يبيعونها ، و كلهم اسير تلك المتاجرة الرخيصة ، الاستعباد المقنع .


ان تطويع النفس و الاجتهاد عليها ، اصعب كثيرا من الامور البدنية و التى تحتاج لمجهود عضلى خارق ، لان النفس قد تطلب كل شىء ، بل و تستطيع ان تعطى كل المعاذير و الاستثناءات التى تجعل من الشر مقبولا ، تجعل من الرجعية تقدما ، تجعل من البهائمية تحررا ، تجعل من الانفلات حقا بموجب قانون اخترعه الضعيف لنفسه ليخفى من ضعفه . و لكن الشخص القوى المسئول هو من يستطيع ان ان يملك نفسه ، من يستطيع ان يطوعها و يملك لجامها ، من يستطيع ان يكتشف الحقيقة وراء الاشياء ، من يستطيع ان يهمل الهالة الكبيرة حولها و ينظر لما هو فى منتصفها ، هو من يستطيع ان يحترم حرية الاخرين و لا يؤذيهم من اجل شهوته ، هو من يستطيع ان يغلب افكاره الشيطانية قبل ان تهوى به للسحيق .


تجدهم ينسبون التقلد بالبهائم انه انسانية و حرية و تمدين ، و هل كانت القبائل القديمة متخلفة الا لانها لم تستطيع تنظيم حياتها و لم تستطيع تفضيل المصلحة على الشهوة و الغريزة و النفسية ، و هل حب الوطن و الاخلاق و الفضائل ويحتاج لشهوة ؟ و هل حب العمل و المثابرة و الكفاح يحتاج لشهوة ؟


ان القواعد و التعاليم و الاخلاق هى فعلا كالاسوار و العوائق و العراقيل كما يدعون ، نحن لا ننكر ذلك ، لكن تبنى الاسوار و وسائل التدعيم بغرض الحماية و الوقاية و التكتم حتى قضاء الحاجة احيانا ، ليست دائما لمنع و تقييد الاتصال بين الداخل و الخارج كما يظنون ، فالاخلاق و الفضيلة الغرض الاساسى منها هو وقاية الجنسين من اخطار كثير ، حمايتهما حتى الوصول لفراش الزوجية ، ليست قيد او سجن يحتاج التحرر منه .


ان هؤلاء يعيشون عصر التخلف ذاته ، ليس تخلف المدنية و الحضارة ، بل تخلف التفكير ، فساد العقل ، ركنه جانبا حتى يعمل سيده الجسد و ينال ما يشتهيه ، يحظى بما هو محرم ، ليستمتع به اكثر رغم حرمانيته ، يمنى النفس بالزيادة و الوصول لاعلى من ذلك فقد يزاول ما هو اشد و اقسى على طبيعته الانسانية و ما هو ادنى من الحيوانية ، التمتع بالشذوذ و العنف و الاباحية .