ظهرت مؤخرا بعض الدعوات لترك الاهتمام بالشئون السياسية و التفرغ للاهتمام بالفقراء ، بدأ الموضوع مع ظهور تدوينة " الفقراء اولا يا اولاد الكلب " ، الوصف يعود على النخبة السياسية التى اهتمت بالصراع على المناصب ، اتفق مع ذلك كثيرا غير ان مع مرور الوقت بدأت الدعوة من البعض لترك الشغل السياسى و الاهتمام بشئون البلاد و التفرغ الى " القضاء على الفقر " .. و هو امر غير واقعى بالمرة و يقود لادنى مما نحن عليه .
طبعا لا يستطيع احد ان ينكر ان الفقراء هم اساس مجتمعنا حيث ان النسب تتراوح ما بين 40 الى 60 % من نسبة الشعب المصرى فقراء على حسب تعريفك لكلمة الفقر و منسوبك فى القياس ، و بالتالى الفقراء هم النسبة الاغلب من الناحيتين ، الاغلب بمعنى الاكثر نسبة ، الاغلب بمعنى الاكثر غلبا ، و بالتالى فهم لهم الاولوية عند تقديم خدمات للسببين سابقى الذكر .
لكن هل نسينا و لو للحظة ان السبب فى فقرهم ليس انهم معتوهين بالفطرة او لا يجيدون الاشتغال و العمل او ينقصون عنا فى العقل او ولدوا بعيب خلقى يمنع كسبهم للمال ، اطلاقا بل هم افضل منا فى كل هذا و ذاك ، لكن السبب الحقيقى الذى جعل من هؤلاء فقراء ، زاد غيرهم فى الانفاق و البذخ و التطاول فى بنيان بنايات اموالهم ، هو النظام السابق سواء اجتماعيا او سياسيا او اقتصاديا ، فقد جاهد كل منهم من اجل حياة كريمة و لكن للاسف ضد التيار ، فكل الظروف كانت دائما ضده و ضد تحقيق حياة كريمة ، كلما جنى اموالا اكثر وجد ضرائب اكثر لتأخذ منه ما كسب ، كلما اخذ علاوة فى عمله وجد الاسعار ترتفع بزيادة تعصف بعلاوته و حتى ما يدثره تحت البلاط ، كلما وجد سلعة رخيصة الثمن وجد انها معيبة او مسمومة على المدى الطويل او تصيب بالسرطان و للاسف يضطر للشراء لانه لا يملك ان يشترى غيرها ، فموت من السرطان بعد سنوات افضل لديه من الموت بالجوع بعد ايام .
اذا فاصلاح حال الفقراء عبر اعطائهم المسكن و المال اللازم لا يكفى لاعطائهم حياة كريمة ، لان النظام السياسى و الاقتصادى لو ظل على ما هو عليه فسيلتهم كل مشروعاتهم و يزيد الفقراء يأسا و بؤسا و يكفرون بالمجتمع و بالثورة ، فيجب ان يكون الاصلاح فى المجالين يتم على قدم و ساق بالتوازى و ليس بالتوالى و الا اضاع احدهما الاخر .
اما عن تبنى البعض لتلك الفكرة فيجب تشجيعهم و الاخذ على ايديهم ، لانهم يساعدون فى عملية الاصلاح بالتوازى ، يربطون على قلوب الفقراء ، يدعوهم الى المثابرة لدعم الوطن ، و فى نفس الوقت هم لم ينشغلوا و لم يشغل الفقراء ذلك عن الاهتمام بالاحزاب المتناحرة التى تحاول القاء بعضها من اعلى قمم المناصب ، نعم نحن نراقب و لن ننشغل عن هموم وطننا ، لن نستيقظ يوما نجدكم على رقابنا تفسدون ما نصلحه .
اما عن فكرة القضاء على الفقر ، فاحب ان انوه على ان القضاء على الفقر امر مستحيل ، ذلك لان الفقر امر نسبى ، فالفقير يطلق عليه هذا الاسم لانه اقل مالا من الثرى ، اى ان الامر دائما يتم بالقياس على الفئة الاخرى ، و بالتالى يمكن القضاء على ظاهرة المحتاجين الذين لا يجدون بينما لا يمكن القضاء على كلمة الفقر ، فالافضل هو البحث عن طريقة لجعل الفقراء يعيشون حياة كريمة و ذلك لن يتم الا بشكل واسع النطاق و بشكل شامل و واعى ، فلا يصح ان نقوم باصلاح دائرة معينة و توفير كل متطلباتها دونا عن باقى المناطق ، بل ان توفير الحياة الكريمة يقتضى توفير ظروف افضل لكل مواطن مصرى ، هذا ما يجعل لفكرة الاصلاح الاجتماعى و السياسى قدرا هاما و يكاد يوزاى القدر الذى نوليه لاصلاح منطقة بعينها .
الفكرة انه يجب ان يهتم بالاصلاح السياسى السياسيون الوطنيون ممن يفهمون فى السياسة ، يهتم بالاصلاح الاقتصادى الوطنيون الاقتصاديون ممن يفهمون امور المالية و الاستيراد و التعمير ، يهتم المجتمع بامر الاصلاح الاجتماعى ، يعمل الجميع على اصلاح حال الفقراء بالاشتراك مع بعضهم البعض ، فاصمد ايها الشعب المصرى ، فما بك ضعف لا يقلق مستقبلا ، فضعفك انت قادر على الخروج منه ، و لا تحتاج الا الى قدر من العمل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق