صرخة حيوان
يعتقد بعض علماء النفس و حتى البشرية ان كل انسان منا يسكن داخله جزء من حيوان ، طبيعة حيوانية ، نفسية حيوانية ، غريزة حيوانية .. حين بدأ علماء النفس محاولة فهم الطبيعة الانسانية و الفهم العميق لما يقبع داخل النفس الانسانية ، ارادوا تقسيمها حتى يسهل التعامل معها و دراستها ، فهم دوافع و طبيعة كل فعل يصدر عن النفس البشرية ، يالا غرابة الامر ، فالطبيعة البشرية داخلها طبيعة حيوانية ، طبيعة كل كائن حى ، اذا فالانسان ليس مضادا للحيوان ، ليس الحيوان هو مقابل الانسان كما نظن و نعتقد .
عندما حاول علماء النفس و على رأسهم العالم النفسى الكبير و ابو الطب النفسى فى العصر الحديث " فرويد " تقسيم طبيعة النفس قاموا بتقسيمها الى 3 انواع من الانفس داخل جسد واحد ، هناك تلك النفس الحيوانية ، التى اطلق عليها " الانا " ، فهى من وجهة نظرهم تعمل دائما من اجل كلمه " انا " ، فالاصل فيها هو السعى وراء الشهوة و الملذات و اشباع الحاجة الذاتية ، بغض النظر عن الظروف المحيطة ، فهى تهيىء الظروف لتخدمها فى اشباع الغاية و الرغبة ، اشباع الغريزة ، كتم الحاجة . مثل تلك النفس اتهمومها بأنها النفس الحيوانية ، انها نابعة عن الطبيعة الحيوانية الموجودة فى كل منا ، انها اساس البلاء و سبب انتشار الجريمة ، الدافع على كل فساد .
النوع الثانى هى النفس العليا ، هى كما يلقبونها " الهو " ، و بالتالى حسب تفسيرهم هى التى تطلب من اجل ال " هو " او الاخر ، هى النفس الطيبة التى تعمل على الخير و الرشد و الصلاح ، تطلب من اجل سعادة الاخرين ، انها تتجرد تماما من اى طبيعة ذاتية ، او حاجة ذاتية . فهى بريئة تماما فى نظرهم من اى رغبة او غريزة لمصلحة الذات ، بالتالى هى تمثل الروح الطيبة و النبتة الخيرة داخل كل منا .
النفس الثالثة وفقا لذلك التصور هى النفس التى تقع فى الوسط بين النفسين ، هى المهيمنة و السائدة ، هى التى تمثل حلقة الوصل و التنظيم بين النفسين السابقتين ، فهى تنظم انتقال الدور من واحدة لاخرى حسب الوقت و الهوى ، هى التى تدفع الجسد ليستمع الى رؤيا احدهما ، هى التى تعطى الاوامر النهائية بخصوص ذلك .
اذا حسب تلك التصورات فالانسان يقع بين عدة انفس و ليس نفس واحدة ، حولها يدور العقل البشرى ، احدها نفس حيوانية تتمتع بالغريزة الحيوانية ، تصدقها ، تأتمر بأمرها ، تتصرف مثلها ، حتى و ان انكر الانسان ذلك ، قد يكون هناك النفس البشرية العليا التى لا تطلب لنفسها و لاشباع ذاتها كما تفعل النفس الحيوانية ، لكن لا ننسى انها موجودة .
و فى الحقيقة و بعيدا عن كل التصورات ، هناك حقائق تثبت ان بعض ذلك صحيح ، غير ذلك فى بعض الاحيان صحيح ، لا يمكنا ان ننكر ان كل منا يحاول ان ينفى عن نفسه فكرة الحيوانية ، رغم ان الحيوان ليس بهذا السوء ، لقد نسى الانسان انه لم يخرج من الغابة الا منذ 25 الف عام فقط حسب نظريات علماء الجيولوجيا و البيولوجيا ، اذا فالانسان منذ نشأته منذ حوالى مثل ذلك التوقيت ، الذى لا يتناسب حتى مع عمر الارض – و البالغ تقريبا مليون عام - ، لكن معظم وقته قد قضاه فى الغابة او على الاقل فى طور اقل حضارة من الان ، فى خلال ذلك اختلط و لا يزال يختلط بالحيوان ، بالرغم من ذلك لا يتنكر له الحيوان ، دليل على ان هناك نوع من الرابطة بين كل منهم ، فالحيوان بطبيعة الحال ، ايضا الانسان ، يرفض الاشياء الغريبة عن طبعه و طبيعته ، فكان اولى للحيوان الا ينصاع للانسان ، لكن جزء منه يقبل ذلك ، لعله النفس البشرية فيه ....
ما لزوم مثل تلك المقدمة الطويلة ؟؟ لقد قصدت ان اضرب لك مثلا ان الحيوان ليس اشر اهل الارض ، الانسان ليس اكثرها حضارة و تقدم ، يكفى ان ترى القطة تخبىء حاجتها ريثما تقضيها ، قارن مع انسان يبثق فى الارض ، يترك ذلك كمصدر لعدوى الاخرين من بعده ، الجمل لا يتكاثر مع انثاه ، هناك من يطلع عليه ، يجب ان يكونا بمفردهما تماما ، بينما قنوات الاغانى و التلفزيون و الاعلانات و الافلام تمتلىء بالفتيات التى لا يصيبهن الخجل من كشف و تعرية اجسادهن امام ملايين المشاهدين .
موضوع تقسيم النفس الى عدة انفس قد فتح المجال كثير من التخيلات و التصورات لتبهرنا بوجهة النظر الخرافية صاحبة ان للموضوع علاقة جينية ، ان الغلبة لنفس عن الاخرى هى علاقة وراثية لا دخل للانسان فيها ، ان ابن السفيه سفيه ، الفاسد يعود اصله لجد اكبر فاسد ، الصالح يخرج من نسل الصالحين ، انه لا شأن له بما يفعله فالامر وراثى و لا يمكن التخلص منه . مثل ذلك الفكر العقيم يتنافى من كل الوجوه مع مبدأ التوبة ، يفتح المجال للناس لتعثوا فى الارض فسادا ، هل نسى هؤلاء ان ابن نوح النبى رفض دعوة ابيه حتى غرق ؟؟ هل تناسى هؤلاء ان سيدنا محمد يعود بالاصل لجده عبد المطلب والد ابو لهب ؟؟ هل تناسى هؤلاء ان نفس الاب و الام انجبا قابيل و اخيه هابيل ؟؟
الدعوة للشر لا تلقى قبولا الا فى عقل فاسد و نفس فاسدة ، بينما الخير هو الاصل و هو فطرة الانسان و الحيوان ، الحليم الخلوق ليس من يقدر على تطوير خلقه ، لكن من على الاقل استطاع تجنب الشر و الحفاظ على النفس الطفولية الخيرة التى تولد مع كل منا ، يمكن مطالعة تصرف الاطفال ، هم يتصرفوا بعفوية شديدة حيالا امورا كثيرة مثل صدق النوايا ، امكانية تصديق الاخر حتى و لم يعتاد عليه ، تقديم الاشياء على ماهيتها دون تزييف او تغليف ، اشر الناس اكثرهم نفاقا ، الاطفال لا يعرفون النفاق ، حتى الحيوان قد لا يعرف النفاق ، فهو يخطف و يجرى ، لا يصادق فيغدر على ضعفك .
عندما اراد بعض العلماء تفسير قول الله " انا خلقناكم من نفس واحدة " مال البعض ان حتى الحيوان و النبات قد يكونا مشتركين معنا فى تلك النفس ، لكن الله اختار الانسان عن غيره لحمل الرسالة ، الوارد عن خلق الانسان و بداية ادم غير معروف الا انه خلق من طين و نفخ فيه من روح الله التى هى مصدر كل شىء ، تلك النفخة كانت للانسان وحده ام للخلق جميعا ، لا احد يمكن ان يجزم بذلك .
فلنعتبرها صرخة من حيوان ، عندما تحب ان تغدر او تتصرف بنذالة فالصق التهمة بنفسك و لا تقلدها للحيوان ، فالحيوان ليس شريرا بطبعه ، ليس بريئا هو الاخر ، لكن فى الامر تفاوت احيانا ، فالتمس دماثة الاخلاق و حسن الخلق فى ما حولك ، فان لم تجد فابحث فى المجتمع ، فان لم تجد فتمسك بتعاليم الدين التى ستجد فيها كل ما تحتاج ، فان لم يفلح كل هذا ، فاعلم انك انت النذل الذى قتل برائته ، على المجتمع ان يخافك لا الحيوان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق