الارادة الشعبية
سيقف العالم كله و ليس العالم العربى وحده طويلا امام ذكرى الاسبوع الاخير من شهر يناير لعام 2011 .. ذلك الاسبوع الذى انتصرت فيه ارادة الجماهير و الشعب على سطوة و سيطرة الطغاة و الظالمين ، حيث استطاع الشعب المصرى ان يثأر لكرامته و عزته و مجده السابق عبر تحدى الصعاب و يسطر لنفسه تاريخا جديدا يشهد له بالثورة على الظلم و الطغيان .
ثار الشعب على الظلم الواقع عليه من حكومة رجال اعمال لصوص ، استغلوا القانون لجعل جرائمهم مشروعة ، وزراء استغلوا سياسة اخترعوها هى الخصخصة لكى يمتصوا من دم الشعب ممتلكاته ، استغلوا القانون لبيع المصالح العامة الى مصالحهم الخاصة ، اشتروا الهيئات و المؤسسات العامة ببخس التراب و ضموها لشركاتهم الخاصة ليبيعوا منها و يستفيدوا . هؤلاء اللصوص لم يكتفوا بذلك ، بل سمحوا لاصدقائهم من اللصوص ان يستنذفوا خير المصريين معهم ، تحت توجيهات سيادة اللص الاعظم القارون احمد عز .
قارون الملقب باحمد عز ، لا يختلف كثيرا عن قارون قوم موسى ، فهو يسير بخطى ثابتة دون ان يدرى ليصبح ما كان عليه قارون دون ان يدرى ، بدأ المسيرة باقامة مشروعات يخيل للعامة انها قومية و من اجل هذا الوطن ، ما كان يدرى احد انها لترسيخ فكرة الاحتكار . احتكار السوق المصرى لمصلحته ، فهو يعرض و يفرض القيمة ، ليس امام الناس سوى ان تشترى ، لانها و ببساطة لا تجد مصدر اخر تبتاع منه .
ثم بدأ سياسة النهب و الجلب من كل طريق مشروع و غير مشروع ، و ساعده على ذلك السلطة فى مصر كما كان يساعد فرعون قارونا على ابناء شعبه ، بل و انضم ايضا للحاشية كما فعل قارون ، فصار ملك السياسات ، صاحب القرار ، صاحب القاعة ان جاز التعبير ، قام باذلال المصريين عبر عدد من القرارات السياسية و الاقتصادية ، كان يخرج علينا بتصريحات تفيد ما كان يقوله قارون عن ان ذلك لمصلحة الشعب و لصالح مصر و للقضاء على طبقة الكسالى و العاطلين .
انضم له فى ذلك مجموعة من رجال الاعمال الذين هم لصوص اصلا ، صاروا من اصدقاء النظام ، بل من اصدقاء الرئيس شخصيا ، دعموا فكرة النفاق و السخرية من الشعب المصرى فى صورة دسائس و معارضة خونة ، حتى يثبتوا من اقدامهم عند مليكهم ، يستمر السلب و النهب .
ساعدهم على ذلك نظام حكم فاسد يمالىء لاسرائيل و امريكا اكثر مما يمد يده للفلسطينيين و العرب ، فقام بغلق معبر رفح لمنع وصول المعونات لاهالى غزة و منهم حماس ، عندما ارتكبت اسرائيل جريمتها فى مذبحة غزة ، قال بالحرف للرئيس الفرنسى : " اتركهم يجهزوا على حماس " . كما ادى بتراخيه و تقاعسه الى اعطاء الفرصة للاسرائيلين ليزيدوا من جرائمهم يوما بعد يوم ، قام بقطع علاقاتنا مع معظم الدول العربية و الافريقية حسب سياسته الرشيدة ، قام اولاده باستغلال حادث سافل و سافر ليكسبوا نقط فى عيون الشعب المصرى داخليا على حساب علاقتنا مع دولة عربية هى الجزائر .
فى ظل هذا كله قاموا بفرض القيود على الاعلام ، الكلام فى الوطن ممنوع ، الصحافة ممنوعة من قول الحق ، التلفزيون يمنع الشرفاء من الظهور ، الفنانون المحترمون يقيدون على اعمالهم ، يفتح المجال للمنافقين و امناء الشرطة فى زى مذيعين و للمخبرين الموالين للنظام للخروج علينا فى منازلنا ، يدعمون فكرة سيادة النظام و انه من ساهم فى حفظ امن المواطنين و الوطن طوال هذه المدة ... كفى النظام المصريين شر القتال .
فى ظل هذا كله لم يسيطروا على الصحافة العالمية و وسيلة التعبير الوحيدة المتاحة امامنا و هى الانترنت و الفيس بوك و المدونات ، الشباب الذين اتشرف بالانتماء لهم قاموا بالكتابة منذ فترة لتحريض باقى الشباب و من معه فى عائلته للثورة على الظلم ، استغل الشباب منبر لا تطاله يد العسكر بالتخريب و هو الفيس بوك و المدونات للتعبير عن رأيهم بصراحة ، وصولا لدعوة للثورة على الظلم فى الاسبوع الاخير من شهر يناير 2011 .
خرج الشباب يدك الارض دكا ، يحاول تغيير ما لحق به من قسوة الظلم و التعذيب و الفساد و كبت الحريات لمدة طويلة ، ثورة عارمة اجتاحت الشوارع كلها ، حتى تكاد تتخيل عند تصوير الجموع من اعلى ان الكاميرا المستخدمة هى بالابيض و الاسود من كثرة جموع الناس و الرؤوس السوداء فى الشوارع و الميادين . مصر تشهد عصرا جديدا ، عصرا يطال الشعب فيه الظلم بيده و يسحقه .
حاول الفاسدون و منعدمى الضمير و شلة الفساد اخماد و افساد الثورة عبر اطلاق المجرمين و المنحرفين الذين ربوهم لفترات طويلة لمثل ذلك الوقت ، وزير داخلية منحرف سادى عاش على دماء الشعب المصرى لفترات طويلة و افسد قطاع شريف و عريق هو قطاع الشرطة ، ضابط الشرطة يلتحق بها ليس لانه الاجدر و الاشرف و الانزه ، لكن لأنه قادر على دفع الرشاوى ، التى سيلمها بالتأكيد من الشعب فى اول سنة تعيين له فى الشوارع ، للاسف الاستثناءات من ذلك ممن حرصوا على مصلحة الوطن و دخلوا قطاع الشرطة لانهم الاجدر و الاشرف ذابوا فى وسط ذلك ، فلم يراهم الشعب وسط التعذيب و الاهانات التى يرونها كل يوم من زملائهم الفاسدين .
وزير داخلية سادى امر بضرب المتظاهرين بمنتهى العنف ، لانه يعلم جيدا انه اول من ستطاله الجماهير و تنتقم لانفسهم من سطوته و قهره طوال تلك الفترة ، فأطلق الاوامر للشرطة بالاجهاز على المتظاهرين و اطلاق اعيرة نارية حية ايضا فى بعض الاوقات لحماية حضرته . لا نستطيع لوم الرجل ، فهو طبع الفاسدين . ثم جاء السيناريو الاكبر ، الذى طرحه و نظمه من قبل نجل الرئيس و احمد عز من قبل بأطلاق اللصوص و قطاع الطرق ، كلاب حراستهم الذين ربوهم لسنوات لتجوب الشوارع و تطوف بها فى محاولة لارهاب المواطنين كى تهدأ الامور و ينشغلوا بهم و يطلب الشعب مساعدة الشرطة التى ستتمكن من فرض سيطرتها على الشوارع ، اخماد الثورة ، قاموا بسحب قوات الشرطة الذين ستطرح حولهم الاف من علامات الاستفهام حول كيف اطاعوا امرا مثل هذا و انسحبوا من الشوارع و اتاحوا الفرصة للمجرمين بالهروب من السجون وتخريب الشوارع ، بل و تركوا لهم السلاح ، الا من قلة محترمة رفضوا ترك اماكنهم ، او عادوا لملابسهم المدنية للدفاع عن الشعب من قلب الشعب . و الشعب كان افضل من هؤلاء حنكة و عقل ، حيث كونوا بينهم لجانا شعبية للدفاع عن الممتلكات ، فهم يعون جيدا ان ثورتهم يجب الا تفشل .
هؤلاء مثالا يحتذى بين الامم ، الان يمكنهم ان يعلنوا للعالم كله : وقف الخلق ينظرون جميعا كيف ابنى قواعد المجد وحدى !! و ضع خطوطا كثيرة و واضحة تحت " وحدى " ، الشرطة غدرت بهم ، المعارضة تحاول الصعود على الاكتاف ، لا يوجد سوى الجيش الذى يثق فيه الشعب ثقة عمياء هو الذى انضم لهم للدفاع عن شوارعهم و امنهم ، هؤلاء اعطوا المثل انهم ليسوا تافهين كما يزعم البعض ، لكن كان البعض منهم مغيب العقل تحت وسائل تغييب العقل التى فرضها النظام عليهم ، ظل المعظم متيقظ و جاهز لاى جديد .
ثم جاء الاعلام الفاسد ، الحكومى و الخاص – الا من اسثناءات - ، ليكمل السيناريو ، الاعلام الحكومى يزور الاحداث ، فيكتب فى اليوم الاول من المظاهرات على الصفحة الاولى لجريدة الاهرام " الشرطة تستقبل المتظاهرين بالورود ، ان العدد لا يتجاوز المئات " ، التلفزيون يحاول انقاذ رئيسه امام العالم ، كأن الاذاعات العالمية لا تدرى الحقيقة او تصورها ، يحاول تصوير الموقف على انه قلة ، فقط قناة الجزيرة التى نختلف معها احيانا قامت بنقل الصورة الحقيقية ، فقط من القنوات المصرية الخاصة ، قناة ONTV و الاعلاميان يسرى فودة و جابر القرموطى قامت بنقل صلب الحقيقة ، الباقيون بكل اسف حاولوا انقاذ رئيسهم الغير مرغوب فيه عبر وصلة من النفاق ان السبب هو الحكومة ، ان الرئيس وعى الرسالة و سيعمل جاهدا عبر الثلاثين سنة الاخرى القادمة لتصحيح الصورة ، حتى قناة الحياة التى يملكها السيد البدوى رئيس حزب الوفد ، كانت اكثرهم نفاقا و سخرية من عقول المواطنين .
الرسالة كانت واضحة منذ اليوم الاول ، خلع الرئيس الغير مرغوب فيه ، كلنا نقدر تاريخ الرجل المشرف فى حرب اكتوبر ، لكن لن ننسى انه من عين هؤلاء ، من امر هؤلاء ، من سمح لهذا ، رفض ذاك . و لا يتحفنا احد برأيه الخلاب انه لم يكن يدرى ما يحدث فى البلاد ، فالرئيس الجاهل اسوء من الرئيس الخائن ، لانه يظلم شعبه طوال الخط ، بينما الخائن سيحاول تجميل الصورة احيانا . ثم ان كان لا يدرى فلم هو رئيس اصلا ؟ هل ليتمتع بالطعام الرئاسى الصحى الفاخر ، هل لينام فى القصر الرئاسى الفخم ، هل ليستمتع بشواطىء شرم الشيخ مع شلة العصابة وحده . ان كان لا يعلم ، فذلك لانه لا يعمل .
يخرج علينا الفنانون كما يدعون انفسهم ليتحفونا بوصلة اخرى من النفاق الزائف ، فيخرج علينا مخرب السينما الحديثة " الامام " ، ليقول لنا ان الثورة هى من قلة مندسة تريد زعزعة كيان الوطن ، تخرج الممثلة الاخرى التى احترفت القبلات فى افلامه ب " يسر " من خارج مصر لتتحفنا الاخرى بيكفى ان النظام كفانا الحرب لثلاثين عاما . ثلاثون عاما و انتم تعقدون الصفقات مع النظام ، ثلاثون عاما و انتم تأكلون من عرق المواطنين ، ثلاثون عاما و الشعب يراقب انحرافكم و قلة ادبكم على الشاشة ، ثلاثون عاما و بعدها هربتم للخارج منظرين ما ستسفر عنه الاحداث ، و يعودا لنا بالطبع ليخبرونا انهم كانوا يقصدون القلة الشريرة المندسة وسط الجماهير التى قامت بالتخريب و ليس المتظاهرين . كفاكم نفاقا ...
الثورة حملت فى طياتها عبرا كثيرة لا نريد ان نغفلها ، لم نسمع عن حادثة تحرش واحدة ، لم نسمع عن حادثة شغب واحدة بين مسلم و مسيحى ، لم نسمع عن حادثة سرقة و انحراف بين المتظاهرين . كل هذا نفى ما كان النظام يحاول ان يلصقه بنا فى الايام و السنوات السابقة ، كل هذا كان اشادة بوحدة شعب ، رأينا الشرطى يخلع زيه العسكرى عنه و يهتف ، رأينا عسكرى الامن المركزى يهتف مع الشعب بدلا من تنفيذ الاوامر بضرب المتظاهرين ، رأينا الناس على قلب رجل واحد فى الدفاع عن شوارعها و ممتلكاتها ، ما خسرناه فى تلك الايام يمكن تعويضه .
البورصة هى حركة الاسهم ، تعتمد على استقرار الامور فى البلاد ، فما هبط من اسهم سيعاود الصعود مع بدأ الاستقرار ، فلا يقلق احد و لا يتشكك كما يحاول الاعلام ان يصيب الجماهير ، يكفى اننا لو صادرنا اموال اللصوص فى مصر و الخارج ، سنصلح بها ما افسدوه ، فلا يقلق احد ، يكفينا اننا سنحمى البلاد مما كان سيسرق و ينهب .
المعارضة التى كانت ارجوزات فى يد الحكومة حاولت ان تصعد على اكتاف الشعب و تطالب بحقها - الذى لا اعلم من اين اكتسبوه - فى الحكم ، كنتم العابا كارتونية فى يد النظام ، كانوا يطالبونكم بكتم افواه المعارضة و الصحفيين فتوافقون ، كانوا يدفعون رواتبكم ، ايجار احزابكم فكنتم توافقون ، كانوا يسلطونكم على السنة المعارضة الحقيقية فكنتم تقطعونها من اجلهم ، اليوم تريدون ان تحكمون ؟ !!
الشعب هو من قام بكل ذلك ، فلن نبخثه حقه ، لن نعطى للبعض جزءا او نصيبا من الكعكة ، تحية كبيرة للشعب المصرى الذى رفض الظلم ، فخر عظيم ان انتمى لمجموعة الشباب الذين طالبوا الشعب بالتغيير و الخروج و الاحتجاج و التظاهر ، هؤلاء سيفخرون بموقفهم طويلا فى المستقبل كما فعل جيل اكتوبر 1973 ، لهم الحق فى ذلك .
الشرطة المصرية يجب ان يتم اعادة تشكيلها مرة اخرى ، يتم تصفية عناصر السوء ، بحث شكاوى الناس ضدهم و التحقيق فيها ، معاقبة الجناة ، استبدال العناصر المشينة التى تسىء لهذا القطاع العظيم الذى كان و لا يزال مصدر فخر لنا ، بدليل ان بداية الثورة كانت تتوافق مع عيد تصدوا فيه للاحتلال الانجليزى و رفضوا التسليم ، ذلك الاستبدال سيأخذ وقتا حى يتم اعادته الى ما كان عليه من مصدر فخر و شجاعة و حرص على المواطن المصرى ، ليس مهما الوقت ، لكن الاهم البدأ فى حركة التغييرات .
الاعلام و الفن يجب ان يتم بتر العناصر المنحلة منه ، كالهلفوت ، المشبوه ، موالي السلطة و مكتنزى الاموال من عرق الشعب ، المتاجرين بقضايا الوطن ، كل هؤلاء يجب استبدالهم باصحاب القضية الحقيقية ، الموهبة المصقلة ، فالموهوب بلا قضية هو شيطان ، صاحب المبدأ و الدعوة يؤثر فى الناس بشدة لو توفرت له سبل تنمية موهبته .
اعود فى النهاية لاختتم المقال ، بشكر خالص من اى اغراض الى كل الشعب المصرى العريق العظيم الذى اعاد لمصر الحياة ، طرد المحتل الداخلى من اللصوص و الخونة ، اتقدم بخالص العزاء لاسر الشهداء الذين ضحوا باغلى شىء هو ارواحهم ما اجل رفعة الوطن ، اتقدم لله تعالى بخالص دعواى ان يسكنهم فسيح جناته ، يحمى مصر من اثام الاوغاد و المنافقين ، يحفظ لمصر ارادة شعبها .
كتبت فى يوم 31/1/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق