الاثنين، 10 يناير 2011

تجار الفتنة الطائفية

تجار الفتنة الطائفية



يبدأ عام 2011 و لكم كنت اتمنى ان اهنىء الشعب المصرى و العربى بحلول عام ميلادى جديد ، لكن للاسف جاءت بداية العام بفاجعة لم نتوقعها ، و ان كانت هناك مؤشرات لشىء من هذا القبيل ، حدثت تفجيرات كنيسة القديسين بالاسكندرية ، و يا لسوء الموقف ، عظم الفجيعة ، سقط الابرياء من المسيحيين و المسلمين على ارض مصر الأمنة ، سقطت الجثث و سالت الدماء فى منطقة وسطى بين كنيسة و مسجد ، راح ضحية الحادث العشرات من ابناء الامة ، و بالتالى و مع مصيبة كهذه لا املك الا ان اقول : البقــــاء لله وحده .



ظهرت مشاهد بعد الحادث تدعو للاعجاب و اخرى للتعجب و اخرى للاستهبال و القرف ، بعد الحادث تعالت الاصوات بين من يبدوا عليهم انهم مسلمين – و لا اعتقد ان دين قد يأمر بمثل ذلك و لا حتى ما كان عليه بوذا – بصيحات الله اكبر فى الشوارع و على الانترنت ، رأينا تصويرا و بث مباشر لعدد من المسيحيين الذين يصرخون بان الجانى مسلم يريد القضاء على المسيحين و انقذوا المسيح و الصليب من ايدى و سلطة كذا . بكل اسف لا استطيع ان اصف اى من الطرفين باقل من كلمة متعصبين ، مغسولى الدماغ ، اصحاب معتقدات بالية ممسوخة زرعتها فيهم جهاتهم الدينية ، اسرتهم الصغيرة ، محيطهم الاجتماعى .



فى ظل ذلك رأيت الكثير من العقول النابهة التى امتصت الموقف ، عالجت ما اصدعه اصحاب السطور السابقة ، رأيت مثقفين متحضرين اصحاب رؤى و ضمير ، يعزون انفسهم قبل الاخرين على الانترنت فى الحادث الاليم ، رأيت المسيحين و المسلمين يتبادلون العزاء بين بعضهم دون ان يعزى احدهم الاخر ، ذلك لان الضحايا كانوا من ابناء الامة ، هم فهموا الموضوع و عرفوا ما لم يعرفه الاعلام ، تسموا بافضل مما تسمى به هؤلاء ، هم علموا اننا لسنا عنصرى الامة كما يدعون و يتحدثون دائما ، فحتى ذلك فيه تصنيف و تشتيت و تفتت للامة ، نحن معا فى نسيج اجتماعى واحد لا نعرف الفرق بيننا الا وقت الصلاة فقط .



اعود و اكرر ان هؤلاء المثقفين النابهين كانوا افضل من الاعلام و الوسائل الاعلامية التى حاولوا ان يحشروا للاسف فى عقول الناس انهم كيان واحد ، لم يقنعوهم ، فى وسط ذلك اندس بعض الخبثاء و معدومى الضمير و حاولوا الاستفادة من الموقف لصالحهم ، انضم عدد ممن يريدون الاتجار بالقضية وسط الجمع و ذلك اكساب انفسهم و اكتساب شهرة شخصية و صيت وطنى . البعض حاول و اجتهد و لم يوفق ، هذا وارد و يجب ان نحترمهم لانهم حاولوا ، الاخرين حاولوا و نجحوا ، كما قلت اندس بعض معدومى الضمير وسطهم لكى ينضموا معهم .



حاول البعض فرض فكرة الاعتذار من قبل الجهات الدينية الاسلامية للجهات الدينية المسيحية ، روجوا لذلك بشدة حتى حدث ، ارى و معى بعض الاصدقاء و منهم المسيحيين ان ذلك فكرة جيدة لو تمت بدون اعتذار و لكن على شكل مشاطرة و اخاء و تدبر لمصيبة واحدة تقرر المصير الواحد للجهتين . فاعتذار الجهات المسلمة تعنى مسبقا اعترافا بأن من ارتكبها مسلم و ان كان متعصب ، هذا لا نعلمه حتى لحظتنا هذه ، سمح للنفوس المريضة على الطرف المسيحى ان يظن من ذلك محاولة لتجميل و تحسين الموقف ، فى نفس الوقت ذلك ادى ذلك الى عزل الجهة المسيحية كجهة مستقلة داخل الدولة ، نكست معها رايات مطالبة المسيحيين بدولة مدنية لهم حق المشاركة ، المعاملة كواحد من ابناء الامة و ليس على سبيل الصفة الخاصة ، سمح لبعض ضعاف النفوس على الجانب المسلم من ان يزدادوا غيرة و تلسن على ان الكنيسة جهة محببة و مفضلة فى مصر عن سواها .



المواطنون البسطاء لا تستطيع ان تقنعهم مثل تلك الشعارات و خاصة انها قادمة من جهاز اعتاد الكذب عليهم مسبقا ، المواطن البسيط اصبح يصدق رجل الدين فى المسجد او الكنيسة ، اكثر من اى مقدم برامج تلفزيونى ، المواطن البسيط يعتقد ان زملاؤه فى العمل ، اصدقاءه فى القهوة ، اصدق بكثير من اى مسؤول يصدع دماغه ليلا و نهارا بزيادة معدلات التنمية و زيادة الرخاء ، رغم عدم كفاية المواطن ماديا .



الاعلاميون يتحدثون عن انهم واجهوا الصعاب و كمائن الشرطة و انهم جلسوا طويلا ما يعادل الثلاث ساعات فى سياراتهم الفارهة المكيفة ، حتى يتمكنوا من المرور و الوصول لاعداد مثل تلك الحلقة التى يذيعوها مباشرة على جميع القنوات ، بينما المواطن يسير على قدميه يوميا ، او يركب الميكروباص و يجلس على نصف كرسى طوال الطريق ، يتحمل لجان المرور ، احيانا سوء معاملة اللجان ، ذلك بشكل يومى ، طوال الاربع و عشرين ساعة . الاعلاميون يتحدثون بشكل مفتعل جدا – الا نادرا و من افراد معينة – عن التهدئة و الروح الواحد ، بينما المسلمون يهنئون المسيحيين بعيد القيامة المجيد .



تجد فى اليوم التالى مباشرة مجموعة من الاغانى ، السابق تحضيرها اصلا من قبل الحادث ،" اتركنت لوقت عوزة " . الكل يتغنى بالروح الواحدة و الوطن الواحد ، يا ليت تم تحضيرها جيدا ، المهم ان تظهر بعد الحادث بيوم ، يرفع مغنى جهاز الموبايل ليبحث هل سجل من قبل اغنية تليق بالموقف ، فلا يجد ، فيقرر الاتصال بكاتب اغانى و ملحن صديقه ليؤلف له اغنية على السماعة و يسرع بتسجيلها ، ليصبح كل منهم مصطفى كامل ، الشهيد عبد المنعم رياض . طبعا تجد اغانى و بكل اسف مخجلة ، ذات قافية و كلمات عامية تكتب على ظهر ورق نتيجة . و الحجة طبعا الوقت كان يداهمنا ، كأن مصر كلها منتظره الاغنية منهم اى كان نوعها حتى تهدأ ، لا يعلم هؤلاء ان مثل تلك الاغانى ان ظهرت بشكل غير جيد ، فستكون مصدر للتريقة و السخرية ، سببا ادعى لزيادة الاحتقان .

لم يسأل هؤلاء انفسهم لم تموت تلك الاغانى سريعا ؟

لم لا تعيش و لا تبقى ؟

لماذا يكون مصير تلك الاغانى انتهاء الصلاحية مع انتهاء الموقف ؟

اغانى عظيمة و عريقة مثل الوطن الاكبر ، مصر التى فى خاطرى ، صورة ، حتى الاغانى التى كانت للاشتراكية ، غيرها من الاغانى المعبرة و المؤثرة حقا فى طبيعة و شخصية المصرى ، مازالت تذاع و تلقى الاستحسان و الفخر و الاشادة لدى جميع الاجيال رغم ان مثلا الاشتراكية انتهت و زالت منذ زمن بعيد من مصر . اوبريتات عظيمة مثل الوطن الاكبر و احلى بلاد الدنيا مصر ، بغداد لا تتألمى ، ستبقى و تعيش و تظل ، لان اصحابها صنعوا مثل تلك الاوبريتات لتبقى ، استعملوا الكلمات الخالدة المعبرة ، الالحان المحترمة المناسبة للموقف فى كل زمان ، الاصوات التى ظهرت فيها التضحية و التفضيل للغير على حساب النفس ، الكل يجعل من اسمه و صوته الاخير من اجل وحدة الصف ، بينما فى اغانى هذه الايام ، تكون بسبب ضحد تصريح سابق عن تفضيل بلاد اخرى و تمنى ان تكون منها المطربة ، او لتغيير الصورة عن متهرب من التجنيد ، او شقيقة متهمة بالاتجار بالمخدرات ، او باحثى عن مجد و شهرة عبر بوابة الفتنة الطائفية .



الفن و الاعلام مصدر للتوعية و ليس لزيادة الاحتقان ، خطوة جيدة و فعالة من وزير الاعلام على المبادرة ، خطوة جيدة من الدولة انها نمت مثل ذلك و ساعدته ، لكن يتبقى فى النهاية الضمير الذى سيظهر داخل العمل حتى لو لم يصدق القائمين عليه ان ذلك ممكن ان يحصل او يحدث . هؤلاء غابت ضمائرهم حتى فى احلك الظروف و افجعها ، طغت المصلحة على الفاجعة ، فاستحقوا بذلك لقب تجار الفتنة الطائفية ، لقد عرفتهم الجماهير و ستنسى اخطائهم السابقة ، لكن لن تتذكر اعمالهم الحالية مستقبلا ايضا .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق