غناوى
بدأ الغناء فى بلادنا العربية منذ قديم الازل ، و ما زال و لا يزال مستمرا مع استمرار الكلمات ، تطور المظاهر المختلفة ، تطور الحاجات و الاتجاهات فى كل زمن و عصر ، لانها هى الكلمات المعبرة عن حاجة الناس فى الشارع قبل العاملين على ظهور هذه الاغنية فى افضل ما يكون ، متمثلا فى جميع مظاهره من اغانى عاطفية و شجن ، الى وطنية و حماسية ، الى دينية و تواشيح ، و غيرها كثيرا و كثيرا .
افخر و انا اعلن انى من الجيل ده ، جيل الدليفرى اللى بيوصل اسرع من المطافى ، الموبايل اللى بيتغير رنته اكتر من تغيير الهدوم , النت اللى بيقطع تحت البحر ، ادوات المكياج اللى بقت هدية اهم و اغلى عند اى بنت من الورد ، جيل الجواز فيه بعد تلاتين سنة فى نفس الوقت اللى اعتاد فيه الشباب على الامر اعتبارا بأن السيديهات بقت دلوقتى فلاشة 8 جيجا مليانة على اخرها – و هو على فكرة الجيل اللى بعد جيل "انا عايز تورلوب" - ، جيل الام بى ثرى و الموبايل الصينى ، جيل البانجو و الحشيش بيتفرق فى اى فرح بلدى زى الرز ، الحكومة تبارك الموضوع انها خلت اللحمة اغلى من الباكتة ، فيكفى انك تضرب سجارتين علشان تحس انك شيكا ملك الكبدة .
و بما انى من الجيل ده ، فانا ساشهد شهادة حق عن الجيل و الاغنية و ازاى وصلتنا بالشكل الحالى ، ايه سر انتشارها و تناولها بين ابناء جيلى .
بعد ان قامت حرب اكتوبر المجيدة ، انتصارنا التاريخى الذى لا يفوقه الا انتصار حسن شحاته على الجزائر فى انجولا , بدأت الحياة فى مصر تعود لطبيعتها و بدأ مع ذلك عصر انفتاح جديد فى مصر ، عصر بدأ كل حاجة تدخلنا و مفيش حاجة تخرج الا لو هربان بكام مليون او مخترع صغير السن فشل فى ان يثبت ان اختراعه يصلح للاتطبيق فى مصر، المفروض فيه اننا نستقبل كل حاجة من بره و منصدرش حاجة ، و من الحاجات اللى استقبلناها كانت الاعلام و السينما و الغناء .
الاول بدأنا بالسينما فظهرت نهضة عظيمة فى سينما الاغراء فى السبعينات و الثمانينات ، و ان كانت انطفأت قليلا فى التسعينات الا انها تتوهج الان و مازالت تنير نفسية كل شاب حاليا نحو انه " يشق طريقه " ، مع ظهور الفيديو كليب و اصبح ثمن انتاجه اقل من السابق ، تكاثرت قنوات العرض و الكل اصبح يبحث ان يسترد ما دفع و عليه مكاسب و ارباح اضعافه ، اصبح الجميع لا يهمه ان يستمع الجمهور للغناء بقدر ان يشاهد الفيديو كليب ، لكى يبيع و ينشر اكثر ، و يستغل فى ذلك بدلا من الافكار الشفافة ، البنات الشفافة ... بدلا من الصوت العذب ، مهندسى الصوت ، بدلا من الالحان الحالمة المحلقة للوجدان ، اللوازم الجعورية المؤلمة للاذن الداخلية لسعادتك ، بدلا من الكلمات المتناسقة المعبرة ، الكلمات المتوافقة مع قاعدة حشيش ، قزازتين بيرة .
و كلما احببت الدخول مع اهل هؤلاء الفن المبتذل فى نقاش ، يقول لك ان هذه الاغنيات - و لازم يقولك بعدها و" الحمد لله " – قد حققت نجاحا كبيرا ، كسرت الدنيا ، بقت فى كل كافيه ، عربية فى الشارع ، و لازم بعدها يضرب لك المثل بأن حتى الغرب بيعملوا الاغانى دى و بتنجح ، انتوا بس اللى جهلة و متربصين و كارهين للفن و الفنانين ، و بصين لهم فى اكل عيشهم ، يتناسى هؤلاء انهم يتحدثون عن اغانى الزنوج و اللاتينيين التى تعرض فى الملاهى الليلية ، الديسكو ، نوادى الرقص ، اما فى الاماكن العامة و المحترمة فلن تجد الا كل فن قيم و محترم ، غناء معبر ذو هدف اهم من القاء الشتائم ، موسيقى اوبرالية تسمو بالروح .
هؤلاء الدول امثال امريكا و اوروبا ، يعملون نهارا من نار ، لا مانع ليلا من قليل من السهر و الاستعداد ليوم جديد لبدأ العمل ، او فى بلدان كاليابان ، فهذه الانواع لها اماكن معروفة و منعزلة ، لا تمتد لتتدخل فى النواحى العامة لهم ، هذا الفرق بيننا و بينهم ، و هذا ما اخذناه منهم ، هذا ما نقلناه بغباء عنهم ، هم ينتجون امثال هذه الاغنيات ليضحكوا علينا و يثبتوا لدينا قناعة ان هذه هى انواع الاغنيات التى يستمعون لها فنقلدهم تقليد اعمى و بكل ما اوتينا من هبل و سذاجة ، يصدرون لنا اغانى بها بنات سمراء بمايوهات ساخنة ، فنرد عليهم باغانى بها بنات بيضاء بمايوهات اسخن و ملابس اقصر ، و كأن هذه ثقافتنا ، و كأن هذا ما يمكن لاحد هؤلاء من ارتداءه فى الشارع بين الناس .
و يلعب الملحنون و الشعراء – ان جاز تلقيبهم بهذا الاسم - دور بارز فى كل ذلك : فالملحن يقع تحت يده واحد بيألف لحضرته لازمة للاغنية و بيقبض على كده فلوس ، حاجة تعلم فى دماغ الناس و متخليهمش ينتبهوا للكلمات الزفت و اللحن الازفت ، و لو علم محمد سعد ذلك لطالب منتجين فيلم كتكوت باجر اضافى عن تأدية لازمة فى احد مشاهد الفيلم " برالام برالام ... تيرا را را را " ، ثم يأتى دورهم بتركيب لحن غربى " يسمع فى الودن " ، او اى لحن مشتق من لحن سبق لهم تلحينه – بما فى ذلك كبار الملحنين الشباب حاليا ، بس هم بيعرفوا يهربوا من السؤال - ، ثم فى النهاية يأتى دور الكاتب الذى لا يمانع من تركيب بعض الكلمات على اللحن , و غالبا هتلاقى مليون مرة كلمة (ايه ، ليه) ... (عينيه ، ايديه ، فيه) ... (بيا ، شويه ، عليا) ....( يوم , نوم ، مظلوم ) .... ( طمنى ، اظلمنى ، احرمنى ، اضربنى ، اشتمنى ، اظرفنى ).... (عيشتهالك ، سلمتهالك ، عايشالك ، ندالك ) و كل الكلمات الهبلة دى اللى اى حد مننا يقدر يألفها فى الحمام الصبح اول ما يصحى من النوم ، او وهو بيشرب الشاى العصر بعد الغدا – لاحظ ان حتى المطربين الكبار بيغنوا الاغانى دى ، شوف اغانى اى حد جه فى دماغك دلوقتى - .
و معظم الملحنون و المؤلفون لما وجدوا السهولة فى ذلك ، فقد غنوا و لحنوا و كتبوا لنفسهم ، من باب ان يستأثر بالنجومية لنفسه ، و يخرج على وسائل الاعلام ليعلن انه فد نجح الى جانب اغانيه التى سيذكرها التاريخ مستقبلا بصفتها مصدر تحول فى الغناء العربى ، الى جانب ذلك فقد اخرج جيل كبير من المغنيين قد راهن على نجوميتهم بنفسه ، كتب لهم اغانى ، او لحن لهم – او لهن – اغانى ، ساهم فى ان يتصدروا النجومية حاليا ، و لا يعلم الجميع ان جميعهم نصابون .
و تجد ان هناك مغنيون ، اشتهروا باثارتهم للجلبة و للاقوال ، سواء فى نوع الفيديو كليب الذى يقدمه ، او نوع الاغنية التى يقدمها ، او مظهره الذى يطرح التساؤلات او يثير غضب البعض ، او مشاكل عن حياته الشخصية ، او اشاعة تفيد علاقتهم الشخصية و العاطفية ، تجد تصاريح للفنان الفلانى انه يبحث عن بنت الحلال ، او الفنانة الفلانية تعلن انها تقدم فن محترم ، معها بوستر كبير يعطيك دلالة ان من يشترى المجلة لا يشتريها لقراءة الخبر و لكن للاحتفاظ بالبوستر ، و هو بالتأكيد نفس الدلالة عمن يشترى الالبوم .
اضحكنى مؤخرا تصريح لنجم الجيل المربى لجميع انواع الحيوانات فى غابات السافانا التى تقع فى منطقة صدره – و الشهير بشعر الصدر حسين - ، انه يقول انه قرر ان يغلق قميصه اخيرا ، احتراما لمشاعر الاطفال و حتى لا يقلدونه ، و نسى هذا المطرب ان يقول لنا هل ذلك فى الشتاء فقط بسبب البرد ، ام انه سيستعيض عن القميص المفتوح بفانله حمالات فى الصيف ، ام انه سيخرج بدون ملابس اصلا ، كما فعل فى افلامه ، و بعدين هم مين الاطفال اللى بيسمعوك دول اصلا ، انت فاكر نفسك محمد فوزى بتغنى "ماما زمانها جاية" !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق