الأحد، 2 مايو 2010

فــــــــــــــوضـــى


فــــــــــــــوضـــى





التقيت مع صديق لى مؤخرا فوجدت انه يشكو ذراعه ، يربطه بجبيره لانه مكسور ، سألته عما حدث ، فأخبرنى انه كان يركب فى الميكروباص متجها لمنزله كالعادة ، السواق يسير بسرعة 120 كالعادة ، يتفادى الارصفة و السيارات و المرور من الناس كالعادة ، ينجح فى ان ينجو من دستة جنايات على الاقل كالعادة ، مشغول باغنية الحشيش كما تعود صديقى ان يسمع داخل الميكروباص من سائقى الميكروباص الفورميولا ون ، ميكروباص يدخل بالعرض ، انما على مين دا انا اللى عملت خمساية قدام بيتنا من غير مية المجارى ما تتهز ... توك توك يسير على الطريق يترنح ، ايضا ينجح فى تجاوزه كمن قفز من داخله ، عيب يا معلم ، دا احنا اللى عارفين مكان الرادار فين ॥ و ظل على قيادته هذه حتى يكاد يذكرك بالعاب الطائرات و السيارات فى الاتارى القديم ।।



عموما هذه المرة لم ينجح فى تفادى سيارة ، يبدو انه كان يقودها الفريق المنافس فى السباق ، صاحبها يضرب اعلى فرملة ممكن تسمعها فى حياتك فى وسط الطريق ، الزجاج تهشم و معها يد صديقى ...... عادى .


انتقل صديقى للمستشفى الحكومى لاجراء اللازم ، ففوجىء بطابور طويل ممن يريدون الحجز و صرف كانت معهم ، يدخل صديقى للتمرجى المختص ليخبره انه حالة مستعجلة ، يريد ان يكشف عليه ، يتأكد انه كسر فى الذراع حتى يجبسه ، ايقاف بعض الدماء المصاحبة للحادث ، فيصرخ التمرجى فى وجهه : (ايه يا افندى ؟ يعنى الطابور ده كله مش مالى عينك ؟) يعتذر صديقى و يخبره انه حالة مستعجلة و يريد الطبيب لتجبيس ذراعه ، فيصرح التمرجى :(و ايه يعنى ؟ ما كلنا اتكسرنا قبل كده معملناش كده ليه ؟ اتفضل اقف فى الطابور) ...... عادى .



بعد ان يأخذه الكلام و الشد مع التمرجى يجد ان الطبيب اصلا مش موجود ساعدتك لانه فى كشف خارجى تقريبا و مش جاى النهاردة ، يخرج صديقى متجها لعيادة احد اطباء العظام ، ينجح فى تجبير ذراعه المكسور ، و يخرج و هو فى افضل صورة ، يمر بجوار المستشفى الحكومى ليقول فى سره مقلدا الفنان محمد صبحى فى مسرحية تخاريف : (بفلوسى يا كلاب ) ........عادى .


ترى فى المشاهد السابقة موقف مشترك ، فكر كويس ، ليه برضه مش عارف ، دا انته مخك طخين اوى ، ما هو فى العنوان ، صح ، الفــــــــوضــى .



تجد ان موقف السواق و من حوله على الطريق هو فوضى ، ثم انه اعتاد عليها بمبدأ (ربنا بيستر دايما يا استاذ ) ، فوضى من الشاب الطائش صاحب الفرملة الشهيرة و التى انذرت الناس ان الملك المسئول عن البوق قد ينفخ فى اى لحظة و ان المرة دى جت سليمة ، فوضى فى القيادة و السرعة و عدم الالتزام بقواعد المرور ، فوضى فى التعامل مع الموقف بمبدأ ان ربنا دايما بيسترها । فوضى من التمرجى الباشا اللى بيتقنزح على كل مريض يدخله المستشفى ، فوضى من المسئولين عن محاسبة هذا التمرجى ، فوضى من الاطباء الذين يتركون عملهم داخل المستشفيات الحكومية للتوجه للحالات الخاصة ، فوضى من المسئول عنهم । اقولك على حاجة ، فوضى من صديقى انه ركب الميكروباص اصلا ، او انه كان عنده ثقة فى امثال هؤلاء .



قرأت فى الجرائد اليوم عن مقتل مواطن مصرى فى لبنان و التمثيل بجثته فى ابشع ما يكون ، قيل انه قد تقدم لخطبة فتاة لبنانية فرفض الاهل فقتلهم جميعا !!! انا لست بصدد الدفاع عنه او عن مرتكبى الحادث و لكن الوقائع كلها سواء كان الاعتقاد صحيح او خاطىء فهى تصب فى موضوعنا ... الفوضى । هل من الطبيعى ان يرفض احد و يمنع من الزواج من فتاة فيقتلها و اهلها ؟!! لو كان الدافع انتقامى فلم الفتاة التى يحبها ؟!!!



ثم لو افترضنا انه قتلهم بالفعل ، فهل من الطبيعى ان يتم قتله فى الشارع على يد فوضاويين ، ثم التمثيل بجثته ؟ !!! اين القانون و القضاء و تطبيق العدل فى قضية لم يصدر فيها حكم بعد ؟ !!! اليس من الافضل القصاص على يد المسؤلين بدلا من ان تغمس يد كل من شارك فى هذه الواقعة بدماء القتل ؟!!



ثم تعجبت من شىء خطير ... هل ذلك يحدث فى بلد كلبنان بالذات ؟ هل تعصب اعمى هو الاخر ؟ هل نرى مثل ذلك فى لبنان ايضا ؟ بلد كلبنان يفترض انها ذاقت وبال الحرب ، عرفت معنى القتل اكثر من غيرهم ، عرفت معنى ان تفقد احد اقاربك لقتله ، كيف تتأسى عليه و تحزن ، بلد كلبنان يفترض انها موطن تعدد و تعايش ॥ الكل متعايش فيها كمسيحى و شيعى و سنى و اجانب ॥ يفترض ان الجميع يعرف حرمة الجسد الميت ،أسرف شبان كترمايا في قتل «المشتبه به» و اطلقوا صيحات «الله أكبر» كـأنما يؤكدون أنهم يطبقون «الشريعة الإسلامية». الشريعة الإسلامية نفسها يُنقل عن رسولها الكريم الحديث الشريف «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور»، والمثلة هنا تعني «التمثيل». الا يقدس الشيعة قبل السنة الامام على بن ابى طالب – كرم الله وجهه - ، الا يعرفون انه رفض ان ينزع عن عمرو بن ود زيه و درعه فى غزوة الخندق بعد ان قتله ، لانها و ان كانت غنيمة حرب يستحقها ، الا انه ستكشف سوءة عمرو بن ود حتى و ان كان قتل و اصبح جثة ، انظر كيف يتعامل المتحضرون و كيف يفكرون حتى مع جثة ، كيف نفكر نحن الهمج الفوضاويين مع نفس الموقف !!!!!



تعجبت اكثر عندما قرأت الاتى فى اليوم التالى : (أعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية عن الأسف والاستنكار لقتل المواطن المصري والتمثيل بجثته في لبنان ) !!!!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق