السبت، 17 أبريل 2010

منتهى الادب


منتهى الادب




كلنا نحب مشاهدة السينما او التلفزيون او قراءة الجرائد ، كلنا يجوب الطرقات شرقا و غربا بحثا عن قضاء المصالح اليومية ، كلنا نجلس بجوار النوافذ فى الحر الصيفى مستمتعين بنسيم بارد يأتى من بعيد ، كلنا يجد متعة فى مشاهدة مباراة كرة قدم ينفض فيها هموم يومه و يمتع نفسه بلمسة ساحرة او تمريرة مخادعة او تسديدة صائبة او صدة مستحيلة .

و لكن و للاسف ما يفسد علينا متعتنا احيانا هو السلوك السىء فى بعض او معظم – بمعنى ستجده اينما تكون – هذه المواقف .... تجد مشاهد تخجل منها فى فيلم سينمائى ، يزداد خجلك لو كان معروضا فى المنزل ، فما بالك لو اسرتك حولك تشاهد معك المشهد !!! ... تجد الفاظ خارجة و نقد لاذع خارج عن الادب و السلوك و معايير الصحافة فى احد الجرائد و سباب و قذف و خروج عن النص فى محله او غير محله داخل عمود يومى او مقال اسبوعى او جريدة بأكملها تنمو على هذه الفواجع .

تسمع اشخاص فى الشارع يسبون بعضهم و معهم انفسهم بأفظع الشتائم ، و يزداد الصوت اكثر مع سب الوالدين و الحاق اللعنات عليهم و هم غائبون . و قد يكون حظك اكثر سوءا لو كنت مارا او سائرا فى الطريق او كنت فى مكان عام يصادف وجود هذه الشخصيات فيه ، او كنت جالسا بجوارهم و بدون قصد مضطرا لسماع تلك العبارات او يكون اكثر سوءا و انت تجد مجموعة من التشويحات و الحركات الفظة و تطاول الايدى بينهم .

تريد ان تشاهد مباراة كرة قدم نظيفة ، فتجد مفاجأت من العيار الثقيل فى انتظارك ، ليس لان فريقك يخسر من فريق مهزوز مثلا ، لا و لكن موجة سباب عام من الجماهير تجاه شخص او ادارى او مدرب او لاعب او حكما ، قد يصل الوضع لاكثر من هذا فيتفنن الجمهور فى الخطأ و يزين السوء و يقدم تلك الالفاظ مصحوبة بلحن جماهيرى او مقفاة على شكل بيت شعر او مصحوبة بتعبيرات تزيدها سوءا . هذا الى جانب مشاكل من احد الاداريين او افتعال مشاكل مع احد المدربين او الحكام ، او تفرغ للرد على الجمهور ، او التعبير بحركات يندى لها الجبين .

طبعا الكل يبرر خطأه ، لان كل انسان اصبح فيلسوفا يبنى فلسفته على معتقدات و ايمان خاطىء و يبهرك بمعنى و تبرير لما يفعله ، قد تصطدم فى راسك و تصدق ما يقول او يصيبك الهبل بالاعجاب بما يشرحه من وجهه نظره الخاطئة . فمخرج تلك الافلام يقول انه يقدم الاغراء فى سياق الدراما و لا اعرف من اين يأتون بتلك الجملة الحمقاء ... هل من الممكن ان يقدم مثلا الاغراء فى غير سياق الفيلم ؟!! هل سيقدم افلام خليعة فى محتوى الفيلم مثلا و يقول هذا الجزء لن يمثل شىء على دراما الفيلم و من فاته لن يضره شىء ولن يفقد شىء من سياق الفيلم ؟ كل ما يقدم فى تلك الافلام ينطبق عليه ذلك و لكنه يخشى ان يعلنها و يعلن انه يقدم فن رخيص بقصد التربح و الشهرة ... و لكن يبدو انه لا يعلم ان مخرج تلك الافلام هو مخرج عن الاخلاق و الادب و الفضيلة و سيظل يذكر بين الناس بأنه مخرج الافلام اياها و ليس مخرج عظيم .

الناقد المسف بقلمه قد لا يعلم - او يعلم و يقصد ما يفعله رغم ذلك لنفس الاسباب السابقة – ان الكتابات التى يكتبها قد تشكل وعى فئة من الناس ، و حتى لو كان بعض الناس يحبون اسلوبه و يبحثون عن الفضائح و يعتبرونه ممن يقول الحقيقة فى وجه صاحبها , هم و بلا شك غير ناضجى الفكر و الادب الكتابى . و كلنا يمر بتلك الفترة حتى ينضج و يستطيع ان يميز الاقلام الشريفة و الاقلام المسفة التى تسىء لقارئها قبل صاحبها ، و لكن هذا يحتاج لوقت احيانا طويل ، خبرة و ثقافة و تعلم حتى تتشكل قدرة على التمييز بين الكتابات الرخيصة و الهامة بحق ، و قد يظل البعض كما هو بدافع قلة الثقافة و قلة الوعى و قلة التنوع .

الاشخاص فى الشارع او مباريات كرة القدم و بكل اسف هم صورة و انعكاس لما تفرز الاسرة اولا ثم المجتمع ثانيا ، فمعرفة اصدقاء السوء و غياب الرقابة الاسرية ، التعصب الاحمق تجاه فريق معين و كانه دولة داخل الدولة ، التطاول على الناس بالقول او بالفعل هى انعكاس للحالة النفسية و العصبية و انحدار الاخلاق و فقر الدين لدى هؤلاء الاشخاص .

لعلماء النفس و الاجتماع نظريات حول ذلك ، فهم يربطون ذلك بالنشأة الاولى و تكوين الاسرة و علاقة الوالدين ببعضهما و بالابناء ، بعضهم يربط ذلك بخلل طفولى فى شكل متلازمات وراثية ، البعض الاخر ارجع ذلك الى خلل فى كيمياء المخ و اضطراب فى المواد الناقلة كيميائيا داخل المخ ، و اخرون - كأمثال فرويد مثلا - تصوروا انه انتصار للنفس الحيوانية التى تقبع داخل كل انسان على نفسه المتحضرة الراقية . و هناك نظريات اخرى كثيرة اتجهت لمحاولة تفسير ذلك .. غير ان الدين مثلا نصور ان كل ذلك يمكن احتواءه فى شخص و نفسية الانسان ، مدى معتقداته و ايمانه ، فنرى امثلة مثلا لاشخاص كانوا افظع من ذلك قبل اسلامهم و تحولوا بعد الاسلام الى شخصيات من اعظم شخصيات العالم و التاريخ .


فكيف يؤتى ذلك ؟


يؤتى بالدعوة الحسنة و الصبر عليهم و محاولة التقرب لله عن طريق الاحسان و التقوى و هو من اهم العوامل التى تعمل على حسن معاملة الناس كسبا فى رضا الله عز وجل , و لن تجد اكثر من ذلك ادلة فى القرأن و السنة ( ادعو الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ) ، ( لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) .

هذا الى جانب الاهتمام بالنشأ و تربيتهم على الاخلاق الحميدة و السلوك القويم ، متابعة ما يقرأون ، ما يشاهدون ، اعطاء النصح و الخبرة لهم من صغرهم ، تسخير خبرة الكبار لخدمة و اختيار الانسب للاطفال ، فلا مانع من اعطائهم بعد ذلك مساحة للفكر و الحرية لاختيار ما يناسبهم و يفضلوه ، يشكل تفكيرهم الخاص المميز لهم و هو مؤكد ما سيختلف عن فكر اى شخص اخر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق