سقط القناع عن الجميع
استقبل الناس فى الشوارع و البيوت خبر استقاله الفريق احمد شفيق من رئاسة الوزراء ، بردود افعال متفاوتة ، البعض ابدى تحسر من القرار و تقدير و اجلال للرجل ، الباقى شعر بفرحة تحقيق احد مطالبه التى كان يتمناها باقصاء كافة عناصر النظام السابق عن المشهد السياسى فى الوقت الراهن ، ان كانوا ايضا ابدوا احترامهم للرجل و لماضيه الطويل .
و تناثرت الاخبار الشبه مؤكدة ان الاستبعاد جاء بعد الحلقة المثيرة ، التصريحات المتفاوتة للفريق على قناة اون تى فى ، فى ضيافة الاعلاميين ريم ، يسرى فوده ، فى حضور د. علاء الاسوانى ، الاعلامى الكبير حمدى قنديل ، رجل الاعمال نجيب ساويرس .. الذى يتصادف انه مالك القناة و صاحب الدعوة للفريق للتعبير عن وجهة نظره للناس ، بعد رفض الاعلامى محمود سعد الظهور معه على شاشة التلفزيون المصرى ، تناثر الاقوال حول تدخل الفريق فى سياسة الاعلام و قطع اذاعة برامج بعينها لانها هاجمته صراحة .
كما تناثر ايضا ان القرار بالاستبعاد دار اثناء الحلقة التى كانت مذاعة على الهواء مباشرة بعد المشابكة الكلامية التى حدثت بين الفريق شفيق و الدكتور علاء ، التى استلزمت الخروج لفاصل اعلانى لتهدئة الاجواء قبل ان تعود مرة اخرى قبل انتهاء الحلقة ، بدا فيها الفريق هزيل الحجة و المنطق ، شديد العصبية و التوتر ، بدا فيها الدكتور علاء منفعلا ، مهاجما بشدة ، احيانا فقد اختيار الكلمات الصائبة و الاكثر دقة و حنكة فى ادب الحوار .
لست بصدد الدفاع عن الفريق احمد شفيق او الهجوم عليه ، لست بصدد الدفاع عن د. علاء الاسوانى او الهجوم عليه ، لكن الحوار لم يكن يرقى للاسف لحوار بين معارض و سلطة من جانب الطرفين ، الحوار لم يكن متدنى كما يزعم البعض ، لكن اوضح جانب من الضغط الشعبى فى ازاحة كافة اعضاء النظام السابق ، عدم قدرة رئيس الوزراء شفيق فى الالمام بكافة تفاصيل مهامه و مركزه .
الدكتور علاء منذ اللحظة الاولى بدا متحفزا ، مهاجما للناحية السياسية للفريق شفيق ، ان لم يهاجم شخص الرجل او الناحية الادارية له ، بل و اعترف بكفاءة الرجل الادارية ، لكن الاعتراض على توجه الرجل السياسى وانه اعترف من قبل انه تلميذا لحسنى مبارك، يشرف بذلك ، ان كان انكر الفريق شفيق ذلك فى بداية الحوار قال انه لم يلتقى الرئيس السابق قبل ان يكون عقيدا ، انه لا ينتمى للرئيس و نظامه من قريب او من بعيد ، هو ما اثار الدهشة فى نفوس المشاهدين منذ بدأ الحوار ، بل اخذ يردد فى عنف عما صنعه فى مجال الطيران المدنى ، يعاير المصريين بتاريخه الطويل ، فيما اصلا لم يشكك احدا فى وطنية الرجل !!!
ثم قفز الحوار للحديث عن امن الدولة و مهام وظيفتها ، فاقترح الفريق شفيق انه يتم الفصل بين امن الدولة و الشرطة ، كلا فى وزارة مستقلة ، فبادره الضيوف بسؤال عما يحول دون ذلك ، فقال الفريق شفيق انه لا يعلم سبب الرفض ، رفض ذكر مصدر الرفض ، لا اعلم لماذا ، فهل كنت تقصد القوات المسلحة مثلا ، ام ان التصريح خرج عفويا دون قصد او بقصد تحسين صورته امام الناس و اراد التعتيم عليه بعد السؤال المحرج .
ثم نشب خلاف بين الدكتور علاء من جهة ، الفريق شفيق من جهة اخرى ، حول امن الدولة و دورها فى البلاد ، حيث طالب الدكتور علاء بحل الجهاز تماما ، ازالته لانه ينتهج اسلوبا لا ينتهجه اى جهاز امن دولة فى العالم و هو تعذيب الناس لمجرد الشك فيهم ، تجريدهم من اى ادامية ، بينما رأى الفريق ان الجهاز يجب ان يتم فصله تماما عن الداخلية ، بوزارة جديدة بقواعد جديدة .... بينما اختفى تقريبا كل من الاعلامى حمدى قنديل ، رجل الاعمال نجيب ساويرس من الصورة .
انا اختلف مع كليهما فى الرأى ، كنت ارى ان الجمع بين الرأيين قد يكون اصوب ، ففصل الجهاز لوزارة مستقلة كما يريد الفريق من شأنه ان يزيد الجهاز اهمية و تضخم ، يرفع من حالة الزهو و استمرار التعذيب و التدخل فى كل شئون البلاد من تعيين عمداء كليات ، لتحديد ما يقال فى كل ندوة ، لاقتحام البيوت و القبض على الافراد من بين اسرهم الامنة ، ترويع اهلهم ، الكل سيصبح تحت مسمى وزارة و ليس فقط جهاز .
اما عن الدكتور علاء فلا ارى ان فى حل امن الدولة ارساء للامان و الامن ، فجهاز امن الدولة برغم مساؤه الكثيرة ، الا انه يفترض به ان يحمى الدولة ، هو جهاز امنى معترف به عالميا ، يطبق فى كافة دول العالم ، فلا يمكننا ان نفتح المجال امام البلطجية و اللصوص و الارهابيين لاقتحام منازلنا و احيائنا بداعى غياب جهاز امن الدولة ، لكن ارى تنظيم هذا الجهاز باستبعاد العناصر الفاسدة ، اعادة اعماره ، تغيير صورته لشكل يحترم المواطن لا يتعدى عليه ، لا يعامله الا بكل احترام ، يجب وضع مراقبات مستمرة و ملاحقة للجهاز لضمان ذلك كما يحدث فى كل دول العالم المحترمة ، بمثلا تعيين هيئة قضائية منزهة للاشراف على الجهاز .
ثم بالحديث عن الوجوه القبيحة التى لازالت فى الحكومة حتى تلك اللحظة التى كان يجرى فيها الحوار و ما الداعى من استمرارها ، اكد الفريق انه لا لم يوافق على بعضها ، انها فرضت عليه ، ايضا رفض الافصاح عن مصدر الفرض ، ليفسر ايضا باحد الاحتمالين السابقين ، و السؤال الذى اطرحه على الفريق شفيق هو لو كنت لا تستطيع اختيار وزراءك فكيف يمكن ان تحاسبهم لو صدقت نوايا حضرتكم ؟؟؟؟
ثم انتقل الحوار لمرحلة تباطىء الفريق شفيق فى التحقيق مع المسؤلين عن اغتيال الشهداء ، انه متباطىء كثيرا عن وعوده السابقة ، انه لم ينجز منها شىء على ارض الواقع ، وصل الدكتور لقمة انفعاله عندما ذل لسان الفريق و قال انه لا يعرف شىء ، طبعا قالها بحسن نية ، لكن الدكتور علاء اعتبره تهكم على شخصه ، و قال انه يعرف جيدا ان الفريق هو الذى لا يعرف شىء عن جهاز امن دولته ، لا يعرف شىء عن الممارسات التى يقومون بها ، مما افقد الفريق ثقته بنفسه تارة ، كشف عن تواضع المام الرجل بحكم وظيفته تارة اخرى .
اما عن محاسبة القتلة الذين دهسوا الشهداء و اطلقوا عليهم النار ، اتخذ الدكتور علاء من ذلك فرصة ليهاجم الفريق شفيق فى تأخره ، تباطئه ، فيما اعتبره الفريق شفيق توجيه اهانة ، كاد ان يخطىء لولا ان تماسك فى اللحظة الاخيرة ، نعت الدكتور بانه يريد ان يلبس رداء الوطنية ، فيما صاح الدكتور علاء فيه بأنه لو كان احد ابناءه لعجل بالتحقيق ، فانفعل الفريق ليزيد الطين بله اخذ يتحدث عن تاريخه الطويل و عما فعله ، بما اعطى الانطباع لدى الناس انهم يشاهدون ديكتاتورا جديدا يتولى شئونهم ، يحدثهم و يعايرهم بما فعله للبلاد و ليس عما ينوى تقديمه للناس فى الفترة المقبلة .
فقد ثقة الفريق شفيق ساعدت على زيادة التوتر و الحدة فى الالفاظ و الاسلوب و الحوار ، جعل الفريق يجلس ماددا ارجله احيانا ، او جالسا على نصف الكرسى فى وضع تأهب احيانا اخرى ، القى بالاوراق التى كانت فى يده كثيرا ، اخذ يعيد ترديد فى الجمل السابقة عن انه فعل للبلاد كذا و كذا، فى نهاية الحوار قالها الدكتور علاء بمنتهى الثقة و الحدة ، بانه سيخرج للميدان يوم الجمعة للمطالبة برحيل الفريق شفيق عن كرسى رئاسة الوزراء ، فيما اعتبره الفريق اهانة شخصية له .
ليس دفاعا عن احد و لا هجوما على احد ، لا ينكر احدا ان كلا الطرفين كانا مخطئين فى جولة الحوار ، ان الحوار نزل من امتاع حوار المعارضة للسلطة ، الى شجار على الهواء ، يمكننى القول ان الدكتور علاء كان حادا و بشده فى تعبيراته ، لكن من لم يشاهده من قبل قد يعتقد انه خرج عن ادبه ، هو من خلال متابعتى للرجل فى حواراته السياسية السابقة قد يكون اعتقاد خاطىء ، فالرجل اسلوبه حاد بطبعه ، لكنه خرج عن المستوى المطلوب هذه المرة يا دكتور علاء و صار اكثر حدة .
اما عن الدكتور شفيق ، فهو للاسف كشف عن نواياه لما فقد حصانته فى الحوار ، خرج عن تحفظه الشديد ، فالرجل و بكل اسف خيب الظنون عندما تحدث بنهج ديكتاتورى ، اخذ يعاير المصريين بانه من فعل لهم مسبقا كذا و كذا ، لا احد يشكك فى كفاءة الرجل الادارية ، لكن الفكر الحر الديمقراطى يجعل من كل من يترشح لمنصب ان يعرض ما ينوى تقديمه و ليس ما فعله ، للشعب الحق فى محاسبته ، يجب ان يعلم الجميع ذلك لان المنصب منصب تطوعى ، ليس للتمتع بمزايا المنصب . كما انه اوضح انه لا يعلم كل شىء عن مهام منصبه ، فهو لا يعلم شىء عن معاملات امن الدولة ، لا يختار وزراءه ، اذن من يفعل ؟؟؟
و ما رفع من سخط الناس فى الشارع هو تصريحاته بعد الابتعاد ، ردا على سؤال عن نيته للعمل فى المجال السياسى فى المرحلة القادمة بعدما ترددت اقوال عن حملات على الانترنت من جانب بعض الناس لترشيحه رئيسا للجمهورية ، فعلق انه لن يبتعد عن المجال السياسى فى المرحلة القادمة ، فى اشارة عن نيته الفعلية للترشح ، خاصة مع تصريح سابق للقوات المسلحة ان الفريق شفيق لن يكون على رأس الحكومة فى وقت ترشيح الرئيس ، مما اعطى المجال لتنبؤات عن نية الحزب الوطنى دعم ترشيح الفريق شفيق لرئاسة الجمهورية فى المرحلة القادمة من الخفاء .
ذلك التصريح اغضب الناس اكثر لتأكد الناس ان النظام فعلا له ذيول ، انهم كانوا على حق عندما طالبوا باقصاء كل من عينه الرئيس السابق ، ليلتحق بنظامه ، اما عن تصريحات كثير من المنتمين للنظام السابق ضد الدكتور علاء و لصالح شفيق ، مثل المذيع ذو الانف الافطس الذى كان لا يترك اى فرصة للسخرية من المواطن المصرى و عدم اتباعه ارشادات الحكومة ، فهى و بكل اسف اضرت لشخص الفريق شفيق اكثر ، جعلته يخسر جزءا من رصيده المتبقى لدى الناس .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق