مقتل الشيطان الصغير
استيقظ العالم كله صباح الثانى من مايو لعام 2011 على نبأ قتل بن لادن ، الشهير و الاشهر فى اوساط الارهاب الدولى ، ذلك الشخص المتهم فى تفجيرات احداث الحادى عشر من سبتمبر التى روعت العالم كله فى احدثها ، روعت شعوبا اكثر فى نتائجها ، فهو متهم انه المخطط لاحداث الحادى عشر من سبتمبر ، انه هو الذى درب و خطط و دبر للحادث الذى راح ضحيته مئات من الامريكيين ، مئات من جنسيات اخرى ، كان الموت فيه لا يفرق بين يهودى و مسيحى و مسلم و من لا ملة له و لا دين .
تناثرت بعد الخبر الكثير من الاقاويل و التصريحات ، فهو هو الرئيس الامريكى يعلن شهادة وفاة القاعدة بعد مقتل الرأس المدبر ، يشيد ببسالة الجنود الامريكيين ، براعة المخابرات الامريكية التى فشلت فى تعقب بن لادن لمدة عشر سنوات و الان نجحت . نرى مظاهرات و حشود تخرج للشوارع الامريكية تفيض فيضا للتعبير عن فرحتهم بالخبر و فرحتهم بالجيش الامريكى و قوات العمليات الخاصة التى اصطادت الصيد الاغلى و الاثمن فى قائمة اعداء امريكا .
تأتى تصريحات من بريطانيا و هى شريك الولايات المتحدة فى احتلال افغانستان و العراق لتعلن ان العالم الان بات اكثر استقرارا ، اكثر اطمئنانا ، ان العالم يستعد الان لينعم بالهدوء و السكينة التى فقدها طويلا . و لك ان تتخيل عزيزى القارىء كم الفرحة و الفخر و الانتصار فى تصريحات الدبلوماسيين الامريكان و البريطانيين ، كم الاحتفالات و الفرح الذى يعم الشوارع تعقيبا لسماعهم الخبر الذى انتظره العالم طويلا ، تحدث الساسة عنه بانفعال لسنوات .
بن لادن هو سعودى المنشأ و المولد ، تربى فى السعودية تلك الدولة العربية التى تمثل قلب الاسلام ، التى تمثل الحيادية السياسية العالمية ، فلم نعرف لها موقفا ذا طابع قوى فى احداث العالم و مجرياته ، هى اسم كبير و تاريخ عريق ، يستمد اصالته و عراقته من انها موطن و صدر الاسلام الاول ، بذلك تتمتع بالهيبة و الاسم فى المنطقة العربية ، ان غاب اسمها عن اى معترك دولى ، او اى مشكلة دولية ، حتى فى الصراع العربى الاسرائيلى .
من خلال ذلك يتبين لنا جانب من شخصية بن لادن ، فهو تربى و تعلم على انه موطن الاسلام و المتحدث الرسمى بأسم الاسلام ، يستعد للعمل مع اى جماعة خارجية مثل الولايات المتحدة الامريكية للابقاء على ذلك فيما لا يمس ببراءة الاختراع الاصلى " المتحدث الرسمى بأسم مسلمى العالم " ، فتعلم بن لادن و تربى بعد ذلك على ايدى المخابرات الامريكية و تعلم فنون السياسة و الحرب و القتال ، تعلم ما يحتاجه عن حرب الشوارع و الدروب ، حروب الاستنزاف ، كان فى صدارة المشهد للدفاع عن الاسلام ضد السوفيت الغزاة للارض الافغانية الاسلامية ، كان يتلقى كل العون و الدعم من امريكا لضحر العدو السوفيتى ، طبعا كل هذا جزء من سياسة امريكا للحرب الباردة على كل ما هو شيوعى ، فما ان انتهت الشيوعية تقريبا من الاتحاد السوفيتى ، حتى ارتاح الوسط الامريكى من خطر الشيوعية ، تفرغ للخطر الاخر المحدق بالهيمنة الامريكية على العالم .
الدول الاسلامية ذات رقعة كبيرة ، ان توحدت تفردت ، بالتالى ستكون المنافس الاقوى للهيمنة الامريكية و المنافس القادم للولايات المتحدة الامريكية ، على نفس الطريقة ، يلزم امريكا تفتيت المجتمع العربى و الاسلامى الى دويلات و شعب و طوائف حتى يصعب اجتماعهم و ضرب المصلحة الامريكية ، بالتالى تحتاج امريكا لخطر يمكنها من دخول تلك الدول و نشر النزاع بين الاطراف ، فخلقت شبحا جديدا هو الاسلام المتطرف متمثلا فى جماعة القاعدة و قائدها بن لادن عميل المخابرات الامريكية " سى اى ايه " ، يتم التضخيم اعلاميا لهذا النسيج ، دعمه بالسلاح و المعونات من الخفاء ، حتى يعظم شأنه ، يمثل خطرا حقيقيا امام كل من ينظر اليه .
بالفعل امتثل الشيطان الاصغر لتخطيط الشيطان الاعظم ، صار خطرا حقيقيا على الغرب ، مروع لامنهم ، لكن يلزم ما يؤكد الشبهات و يجعل من هو متشكك و مدافع عن حقوق الانسان فى العالم يثق فى عبقرية الخطة ، فكان احداث الحادى عشر من سبتمبر ، التى تم تدبيرها داخل اروقة الرئاسة الامريكية بقيادة بوش الرئيس الصقر الذى سيجنى المجد للمواطن الامريكى ، و يمكنك ان تستمع الى شهادات محللين سياسيين امريكيين عن الحادث الاليم وقتها ، فتسائل احدهم كيف يمكن ان يستمكن مجموعة من الارهابيين الوصول باسلحة و ذخيرة الية الى الطائرات دون تفتيش ، احدهم صرح ان الرئيس بوش تلقى معلومات و رسائل عن حادث الحادى عشر من سبتمبر قبلها بأسبوع ، لم يعره اهتمام و القى به فى درج مكتبه .
هذا الى جانب ان الاقتصاد الامريكى لم يتأثر كثيرا كما كان البعض متوقعا ، على العكس ، فبعد ان انهار سعر الدولار الامريكى وقتها للنصف ، فى يومين ، عاد للتصاعد فى خلال اسبوع الى اربع اضعاف السعر ، اى اعلى من العاشر من سبتمبر بالضعف .
اتخذت الحكومة الامريكية و كل صاحب مصلحة مثل بعض الدول الاوروبية التى لا تستطيع اخفاء طمعها فى بعض الموارد البترولية و الموارد التى تخص دول العالم الفقير ، اتخذت من احداث الحادى عشر من سبتمبر ذريعة لبدأ سيناريو جديد هو " الحرب على الارهاب " ، هو مرادف جديد للكلمة الاخرى " احتلال " ، تغيرت الكلمات بداية من تغيير مسمى" القمع و الخراب و التفتيت " الى " ارساء الديمقراطية " ، تغيرت " الاطماع الامريكية " الى " اقرار و تعليم الديمقراطية " .
استطاعت امريكا فى عصر بوش ان تدخل دولتين لم تكن لتحلم يوما فى السيطرة عليهم ، افغانستان و العراق ، الدولتين التى تحيط بأيران او العدو القادم ، مصدر لا ينضب و لا يجف للبترول ، استطاعت ان تقسم الدولتين الى طوائف متنازعة ، ثم مارست دورها فى تفجير هؤلاء الطوائف ليلا ، محاولة جمع شتاتهم صباحا ، لتبدوا امام المواطن الامريكى كأنها حامى حمى الديمقراطية ، حاولت ان ترسم صورة ذلك اعلاميا ، مع التعتيم الاعلامى على مئاسى معتقل جوانتانمو و قذارة سجن ابو غريب .
ثم تجد الاعلام يلعب دورا هاما ايضا فى ابراز فشل المخابرات الامريكية فى تحديد موقع بن لادن و من معه ، بكافة ما تمتلك من وسائل استخباراتية على الصعيدين التكنولوجى و البشرى ، فامريكا تمتلك مدارات من الاقمار الصناعية التى تقوم بالتجسس الى جانب جمع المعلومات الى جانب امور اخرى ، تمتلك من العملاء للادارة الامريكية و المخابرات السى اى ايه ، الاعلام يرقب و يهيىء و يصور و يبرز استمرارا البحث عن بن لادن و تعقبه ، هو الذى اتحفنا بنظريات وصوله الى غرف نوم الرئاسات . بل و نجح فى ان يصل بتسجيلات صوت و صورة الى قنوات بعينها ، ينشر ما يريد كيفما يريد ، يفعل ما يشاء كيفما يشاء ، لا احد يعلم مكانه او يمكنه تعقبه .
و من ناحية اخرى ، يتم التصور و بث روح البطولة فى بلاد اخرى مثل الدول العربية ، ابراز فكرة البطل الذى حير الامريكان ، المناضل الذى استطاع ان يذل امريكا ، المجاهد الذى لم يكن له مثيلا و لا حتى من قبل ، صلاح الدين و خالد بن الوليد و غيرهم لا يساوون شىء امامه ، لا يضاهون مهارة الرجل الاستراتيجية و الحربية ، تصويره فى صورة الملياردير الذى ترك امواله و تفرغ للجهاد ، فيكسب تعاطف الشعوب العربية التى تحلم باى كيان يذل العدو الصهيونى و الامريكى ، فتهدأ من روع كل مواطن عربى ، تقل المظاهرات ضد امريكا ، يكتفون بالشماتة متمثلة فى بن لادن ، من لا ينضم لتلك الخطة دون ارادته ، فسوف تنفق امريكا و تغدق انظمة القمع و الاستبداد بالاموال فى مقابل القضاء على البقية المتبقية التى تنوى التظاهر ضد السياسة الامريكية .
كل هذا و الولايات المتحدة الامريكية تتدخل فى مصير الشعوب ، تجتاح البلاد ، تضيق بالعباد ، تحت مسمى مكافحة الارهاب و القضاء على زعيم القاعدة المدعى بن لادن ، فتدمر من لا يريد ان ينضم لركب الحضارة الامريكية التى هى فى الاساس هيمنة امريكية ، تجعل منه مضرب المثل امام كل حاكم قد يفكر ان يتخلى عن الشريك الامريكى ، فتصنع الفساد تحت مسمى الهدم من اجل اعادة البناء لنظام ديمقراطى ، نسو انهم هم من صنعوا صدام و ساعدوه بالامس ، هم من صنعوا النظام الايرانى و شجعوا ثورته ، هم من ساعدوا طالبان فى الحرب الافغانية .
و الان بعد ان تغير كل ذلك ، انهارت النظم القمعية المستبدة الفاشية التى بنتها الولايات المتحدة فى المنطقة ، بدأت شرارة الثورة تنتقل من دولة الى دولة ، بدت السياسة الامريكية تجاه المنطقة تحتاج للتغيير ، بات واضحا ان بن لادن انتهى دوره فى سياسة امريكا تجاه المنطقة ، قررت امريكا تغيير نهج معاملتها للدول العربية و البدأ فى سياسة جديدة من المؤكد تحتاج لشكل و طريقة جدد ، ان كانت على نفس الاهداف و النوايا ، بالتالى لم يعد لبن لادن دورا فى المرحلة القادمة فقرروا اعدامه شرفيا هو و اسرته حتى ينتهى و تطوى صفحة بن لادن " الشيطان الصغير " الى الابد ، تبدأ صفحة جديدة . لعل لاختيار باكستان بالذات اهمية كبرى هى انها مسرح خلفى للعمليات الامريكية ، بين استخباراتها و الاستخبارات الامريكية تعاون كبير ، بالتالى يسهل تدبير الواقعة ، الله اعلم .
كلما سمعت عن بشر من بنى جنسى ، شعوب تسكن هذا العالم تهلل و ترقص على خبر مقتل بن لادن فى باكستان تذكرت رسم كاريكاتورى للرائع و العظيم الراحل " ناجى العلى " رحمة الله عليه ، عندما رسم حمار و كتب بجواره : " بالامس كنت حمار .. و اليوم بعدى حمار .. و غدا سأكون حمار .. عندى طموح اتغير و اصير حصان .. بس فى جماعة من البنى ادمين مقتنعين .. و ناويين يظلوا فى احضان امريكا الى ابد الابدين .. عليهم العوض !! " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق